Page 100 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 100

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                 ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫فمن يق أر منج ازت مصطفى سويف بعد أن رحل‪،‬‬              ‫لذلـك وجـب علينـا تصحيـح المفاهيـم وتحريـر‬
‫يـدرك أنـه رفـع سـمكها علـى هـذه الأعمـدة الثلاثـة‪،‬‬   ‫المسـألة تحريـ ار تاريخيـا مـن جهـة ريـادة مصطفـى‬
‫وهـي أعمـدة كليـة كان مصطفـى سـويف علـى وعـي‬          ‫سـويف وسـبقه‪ ،‬وعلميـا مـن جهـة الأعمـال العلميـة‬
‫بهـا منـذ الطفولـة‪ ،‬ولكنـه بالتأكيـد وعـي يشـوبه‬      ‫التـي قدمهـا سـويف وتمثـل المجـالات الرئيسـة التـي‬
‫الغمـوض الـذي يـزول رويـدا رويـدا بارتقائهمـدارج‬      ‫اختطهـا لنفسـه وسـار تلاميـذه علـى هداهـا‪ .‬وهـذا مـا‬
‫العلـم والمعرفـة مـن طـور إلـى طـور‪ ،‬ومـن بيئـة إلـى‬  ‫دعانـا منـذ البدايـة إلـى تسـمية هـذا العمـل بمـا أردنـاه‬
‫بيئـة‪ ،‬ومـن أفـق محلـي إلـى أفـق دولـي‪ .‬ويظـل هـذا‬    ‫لـه وهـو «مصطفـى سـويف‪ ..‬البدايـات والمـآلات»‪.‬‬
‫الوعـي الأولـي هـو الأسـاس الـذي نهضـت عليـه كل‬
‫أعمالـه‪ ..‬فمـاذا كانـت صـورة هـذا الوعـي الأولـي‬                      ‫‪-2-‬‬

                                       ‫المبكـر؟‬                             ‫العلم واللغة والق ارء	ة‪	:‬‬

‫العلم‪:‬فـي وعيـه الأول زمـن الطفولـة‪ ،‬يتذكـر‬           ‫شـاد مصطفـى سـويف أبنيتـه العلميـة علـى أسـس‬
‫مصطفـى سـويف موقـع العلـم فـي أسـرته ومـا يكتنفـه‬     ‫ثلاثـة‪ ،‬هـي‪ :‬العلـم واللغـة والقـ ارءة‪ .‬أمـا العلـم فهـو‬
‫مـن هـالات التقديـر والاحتـ ارم‪ ،‬ويـرد هـذه المكانـة‬  ‫العلـم الاجتماعـي‪ .‬وأمـا اللغـة فهـي وعـاء العلـم‬
                                                      ‫وأداتـه‪ .‬وأمـا القـ ارءة فهـي المجـال الأرحـب الـذي‬
                                   ‫إلـى أمريـن‪:‬‬       ‫وفـر للعلـم مادتـه كمـا وفـر لـه البيانـات والمعلومـات‪،‬‬
                                                      ‫ووفـر لمصطفـى سـويف الحريـة فـي الخـروج مـن‬
‫الأول‪ :‬نظـام مسـتقر لا يختـل‪ ،‬سـواء فـي أشـكال‬        ‫أسـر المـكان إلـى المـكان المطلـق‪ ،‬الـذي تلتقـي‬
‫التعامـل السـائدة أو المسـموح بهـا داخـل الأسـرة‪،‬‬     ‫فيـه كل المنجـ ازت الكبـرى التـي قدمهـا الإنسـان‬
‫أو فـي تتابـع الأحـداث المقـدر لهـا أن توجـه مسـار‬    ‫عبـر الزمـن‪ ،‬وعبـر اللغـات‪ ،‬وعبـر الجغ ارفيـا‪ ،‬وكل‬
                                                      ‫الأعـ ارف والتقاليـد‪ .‬وقـد تبلـورت هـذه المنجـ ازت لـدى‬
                           ‫الجميـع عبـر الأيـام‪.‬‬      ‫مصطفـى سـويف فـي مجـالات كبـرى هـي‪ :‬العلـم‬

‫الثانــي‪ :‬ارتبـاط كلمـة العلـم باسـم جـده لأمـه‬                            ‫والفنـون والآداب‪ ..‬والفكـر‪.‬‬
‫الشـيخ مصطفـى بركـة الـذي كان يقـوم بالتدريـس‬
                                                      ‫ولعلنـا نلحـظ أن المشـترك بيـن هـذه الكيانـات‬
                                  ‫فـي الأزهـر‪.‬‬        ‫الكبـرى هـو اللغـة‪ ،‬فهـي ال اربـط الأكبـر بينهـا‪ ،‬وأن‬
                                                      ‫العلـم هـو السـبيل الكاشـف عـن القيـم الاجتماعيـة‬
‫يقولمصطفـى سـويف‪« :‬فـي هـذا الصبـح المبكـر‬            ‫لهـذه الكيانـات‪ ،‬وأن الفنـون والآداب تمثـل الوجـه‬
‫من الحياة كان الهواء مفعما حولي بسيرة العلم كأنما‬     ‫الآخـر للعلـم مـن حيـث المصـدر والوظيفـة‪ .‬فكلاهمـا‬
‫هـو الخيـر الأسـمى فـي الوجـود»‪ )1(.‬وقـد تبلـور‬       ‫مصـدره اجتماعـي‪ ،‬وكلاهمـا وظيفتـه اجتماعيـة‬
‫هـذا الوعـي المبكر‪-‬الخيــر الأســمى فــي الوجــود‬     ‫أيضـا‪ .‬فالهـدف الأسـمى للعلـم والفنـون هـو الإنسـان‬
‫‪-‬عندمـا التقـي بوعـي أنضـج وأوضـح مكنلسـويف‬           ‫الـذي يبتغـي الحريـة دائمـا بوصفهـا قهـ ار للضـرورة‪،‬‬
‫أن يعقـد صلـة بيـن العلـم بهـذا المعنـى وبيـن مـا‬     ‫وبوصفها امتلاكا للمعرفة‪ .‬فحرية الإنسان منقوصة‬
‫أقرتـه الفلسـفة‪« ،‬وفيمـا بعـد عندمـا عرفـت طريقـي‬     ‫دائمـا إن لـم يعـرف‪ ..‬وتتسـع هـذه الحريـة بقـدر‬
‫إلـى د ارسـة الفلسـفة شـعرت بشـيء مـن التناغـم بيـن‬   ‫اتسـاع مسـاحة المعلـوم علـى حسـاب المجهـول‪.‬‬
‫هـذا المعنـى ومـا قصـد إليـه أفلاطـون فـي جمعـه‬
‫بيـن الحـق والخيـر والجمـال»‪ )2(.‬بمـا يعنـي أن‬                              ‫واللغـة هـي بيـت الوجـود‪.‬‬
‫العلـم عنـده غايـة مـن الغايـات الكبـرى وهـي الخيـر‬
‫مـع الحـق والجمـال‪ .‬وهـذا وعـي كلـي فلسـفي يرتقـي‬

                                                      ‫‪100‬‬
   95   96   97   98   99   100   101   102   103   104   105