Page 110 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 110

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                  ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫مسـتويات العنايـة باللغـة أدق وأشـق وأرقـى مـن كل‬      ‫شـرط لابـد منـه لمصداقيـة هـذه الصيغـة المركبـة”‪.‬‬
                                 ‫عنايـة سـابقة‪.‬‬
                                                       ‫فللعلـم عنـده غايـة هـي معالجـة الهـم العـام‪.‬‬
‫ومـع تحديـد مسـتويات الكتابـة‪ ،‬والوعـي بوظيفتهـا‬       ‫وهـذه الغايـة هـي إحـدى غايـات النهضـة التـي‬
‫عبـر الوعـي ببيئـات المخاطبيـن‪ ،‬نجـح سـويف فـي‬         ‫ذكرناهـا آنفـا‪ .‬ولتحقيـق هـذه الغايـة لا مفـر مـن‬
‫الكتابـة العلميـة الصارمـة‪ ،‬ونجـح فـي تبسـيط هـذا‬      ‫أمريـن‪ :‬الأمـر الأول‪ :‬إيجـاد صيغـة للعمـل تـؤدي‬
‫العلـم وتحويلـه إلـى خطـاب ينتفـع بـه عامـة القـ ارء‬   ‫إلـى توحيـد الجهـد وتركيـزه وحمايتـه مـن أخطـار‬
‫وخاصتهـم‪ ،‬وبذلـك حقـق مـا يعـرف بنشـر الثقافـة‬         ‫التشـتت‪ .‬والأمـر الثانـي‪ :‬إنتـاج العلـم الحقيقـي فـي‬
‫العلميـة بيـن أواسـط النـاس ليحـرر عقولهـم مـن‬         ‫ضـوء معاييـر التخصـص العالميـة‪ .‬ولا تنتهـي غايـة‬
‫القيـود التـي سـيطرت عليهـا‪ ،‬وليدخـل باللغـة العربيـة‬  ‫العلـم عنـد هـذا الحـد‪ ،‬بـل تمتـد إلـى قابليـة هـذا العلـم‬
‫منعطفـا جديـدا هـو تطويعهـا لمقتضيـات الكتابـة‬         ‫للتطبيـق والنفـع العـام‪ ،‬وأن ينتشـر وينمـو ويتعمـق‬

                            ‫العلميـة المعاصـرة‪.‬‬             ‫عبـر مدرسـة علميـة تنتـج تلاميـذ متميزيـن‪.‬‬

‫وهـذا مـا حـدث بالفعـل فقـد أنتـج علمـا حقيقيـا وأمــا عــن الثانيــة وهــي تحديــد التخصــص‬

‫كانـت لـه مجالاتـه التطبيقيـة‪ ،‬وأعـد لنفسـه ولتلاميـذه العلمـي‪ ،‬وتحديـد مجالاتـه‪ :‬فكمـا قلنـا‪ ،‬انبثـق هـذا‬

‫مدرسـة علميـة أثمـرت تلاميـذ متميزيـن‪ ،‬وقـدم مـن التخصـص مـن فهـم سـويف لغايـات الكتابـة العلميـة‬

‫خلالهـا أبحاثـه وكتبـه المعروفـة كمـا سـوف نـرى‪ .‬فـي ضـوء النفـع العـام والقابليـة للتطبيـق وفتـح نافـذة‬

‫وفـي ضـوء الحـرص علـى أن ينفـع العلـم الهـم العـام‪ ،‬التجويـد العلمـي المسـتمر عبـر الكتابـة فـي أرقـى‬

‫حـرص سـويف علـى بقـاء صلتـه الإيجابيـة بالحيـاة الدوريـات العلميـة الدوليـة المتخصصـة‪ ،‬وعبـر‬

‫المدرسـة العلميـة التـي حـرص علـى تكوينهـا لإعـداد‬     ‫العامـة‪ .‬ولأنـه أحـد رواد الجيـل الثانـي مـن أجيـال‬
‫تلاميـذ متميزيـن يوسـعون دائـرة انتشـار العلـم فـي‬     ‫النهضـة‪ ،‬فـكان طبيعيـا ألا يخـدع ال ارئـد أهلـه أو‬
‫المجتمـع المصـري‪ ،‬وفـي المجتمـع الدولـي‪ .‬ولعلنـا‬       ‫يغشـهم أو يتركهـم ومصيرهـم‪ ،‬فبقـي سـويف فـي‬

‫مصـر لـم يهجرهـا لا هجـرة بائنـة ولا هجـرة مقنعـة‪ ،‬نلحـظ أن سـويف‪ ،‬فـي سـعيه للتجويـد وتوسـيع‬

‫مـع مـا فـي ذلـك الشـرط مـن مشـقة وألـم كبيريـن‪ ،‬فـا دائـرة انتشـار العلـم‪ ،‬كان ينطلـق مـن هـم داخلـي‬

‫لا مـن هـم شـخصي‪ ،‬ولا مـن خطـاب يغـازل بـه‬                  ‫بـد منـه لمصداقيـة هـذه الصيغـة المركبـة‪.‬‬

‫الآخريـن‪ ،‬ومبعـث هـذا الهـم هـو وعيـه بالمتغيـ ارت‬     ‫ولتحقيـق هـذه الغايـة الاجتماعيـة للعلـم‪ ،‬وهـي‬
‫الاجتماعيـة القويـة التـي يمـر بهـا المجتمـع المصـري‬   ‫تجويـده ونفعـه للهـم العـام‪ ،‬لجـأ سـويف إلـى أن‬
‫منـذ منتصـف الأربعينيـات ومـدى تأثيـر المجتمـع‬         ‫يكتـب للخـارج بالإنجليزيـة علمـا شـديد التخصـص‪،‬‬
‫الدولـي ‪ -‬أوروبـا وأمريـكا ‪ -‬علـى مـا يحـدث فـي‬        ‫وأن يكتـب بالعربيـة للداخـل‪ ،‬كتابـة تتـ اروح بيـن العلـم‬
‫مصـر‪ .‬فقـد كان واعيـا بالمخـاض الاجتماعـي‬              ‫المتخصـص يوجـه فيـه الرسـالة إلـى التلاميـذ‪ ،‬وبيـن‬
‫العنيـف بيـن مـن يمثلـون اليميـن المتطـرف ومـن‬         ‫تقديـم العلـم بصـورة شـيقة لغيـر طلابـه النظامييـن‪.‬‬
‫يمثلـون تيـا ارت اليسـار الفكريـة‪ ،‬وبحركـة الأحـ ازب‬   ‫وقـد تمتـد هـذه الكتابـات أحيانـا لتشـمل موضوعـا مـن‬
‫المفتتـة‪ ،‬وبسياسـة القصـر ذات ال ارئحـة العفنـة علـى‬   ‫الموضوعـات العامـة‪ .‬وجـاء هـذا التنقـل المتصـل‬
‫حـد وصفـه‪ ،‬وسياسـة الإنجليـز وتواطئهـم مـع القصر‬       ‫بيـن الكتابـة بالإنجليزيـة والكتابـة بالعربيـة‪ ،‬وكذلـك‬
‫علـى حسـاب القـوى الوطنيـة‪ .‬وكان واعيـا بنشـاط‬         ‫بيـن الكتابـة العربيـة الصارمـة ص ارمـة التخصـص‬
‫الثقافـة والمثقفيـن وازدهـار العمـل الصحفـي‪ .‬لذلـك‬     ‫والكتابـة الرفيقـة بالقـارئ‪ ،‬إيذانـا بمسـتوى جديـد مـن‬

                                                       ‫‪110‬‬
   105   106   107   108   109   110   111   112   113   114   115