Page 113 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 113

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬              ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫وقـد أعلـن مصطفـى سـويف موقفـه مـن ثـورة‬                ‫ويبـدو أن و ارء هـذا الوعـي العقائـدي فكـ ار اجتماعيـا‬
‫يوليـو وخاصـة فيمـا يتعلـق بمسـألة الديمق ارطيـة‬        ‫منظمـا هـو الفكـر الاشـت اركي الـذي عـاش سـويف‬
‫السياسـية والحريـات‪ ،‬ولكنـه لـم يكـن إعلانـا صريحـا‬     ‫فـي ظلـه سـنوات التكويـن الأولـى سـواء أكان بيـن‬
‫يمثـل موقفـا يدافـع عنـه‪ .‬فيذكـر قـدري حفنـي فـي‬        ‫رفقائـه وأصدقائـه‪ ،‬أم كان مـا سـجله مـن أري وفكـر‬
‫المقـال المشـار إليـه أن مصطفـى سـويف سـجل فـي‬          ‫يمثـل المنهـج الـذي ارتـآه مفسـ ار للعلـم ووظيفتـه‪،‬‬
‫إحـدى مقابلاتهـم أنـه حـدث خـاف حـاد بينـه وبيـن‬
‫مـ ارد (أسـتاذه يوسـف مـ ارد) عقـب قيـام الثـورة حيـث‬                        ‫ولتطـور التاريـخ الإنسـاني‪.‬‬
‫طلـب منـه مـ ارد فـي أواخـر ‪1952‬م أن يعاونـه فـي‬
‫تطبيقـات علـم النفـس فـي الجيـش‪ .‬ويبـدو أن يوسـف‬        ‫أمـا عـن الرفقـاء والأصدقـاء‪ ،‬فيذكـر قـدري‬
‫مـ ارد كان علـى ثقـة تامـة مـن موافقـة سـويف علـى‬       ‫حفنـي فـي مقالـة لـه باسـم “مصطفــى ســويف‬
‫ذلـك‪ .‬ولا غـرو فهـو تلميـذه الأثيـر الـذي مـا ازل‬       ‫واليسـار المصـري” أن موقـف سـويف مـن اليسـار‬
‫ينجـز رسـالته تحـت إشـ ارفه‪ ،‬فـإذا بسـويف يقـول‬         ‫والديمق ارطيـة السياسـية كان موقفـا حياتيـا صارمـا‬
‫بوضـوح‪ :‬أنـا لا أسـتطيع أن أضـع علمـي فـي خدمـة‬         ‫وإن لـزم الصمـت‪ .‬وأنـه سـجل هـذا الموقـف فـي‬
‫هـذا الحكـم الاسـتبدادي‪ .‬ولـم يمـض وقـت طويـل‬           ‫كتابـه “مســيرتي ومصــر فــي القــرن العشــرين»‬
‫إلا وطلـب مـ ارد مـن سـويف فـي منتصـف ‪1953‬م‬             ‫وهـو بصـدد رصـده لمـا يحـدث فـي مصـر فـي‬
‫الاشـت ارك في ترجمة كتاب جلفورد لحسـاب مؤسسـة‬           ‫فتـرة الأربعينيـات مـن القـرن العشـرين‪ .‬يقـول‪« :‬لا‬
‫ف ارنكليـن الأمريكيـة‪ ،‬فاعتـذر لـه عـدة مـ ارت متعلـا‬   ‫أ ازل أتذكـر الأحاديـث التـي كنـا نتبادلهـا إذ ذاك‬
‫بانشـغاله‪ .‬وتحـت إلحـاح مـ ارد‪ ،‬قـال لـه سـويف‪ :‬أنـا‬    ‫بشـأن محاضـ ارت الأسـاتذة‪ ،‬أنـا والأصدقـاء محمـود‬
‫غيـر مسـتعد أن أترجـم للأمريـكان أو للـروس‪ .‬وأنـا‬       ‫العالـم ويوسـف الشـاروني ومحمـد جعفـر وأميـن‬
‫غيـر مسـتعد أن يدخـل جيبـي مليـم غيـر وطنـي‪.‬‬            ‫عـز الديـن وعبـاس أحمـد”‪ .‬ثـم يشـير مـرة أخـرى‬
‫ومع أن سـويف لم يعلن موقفه اليسـاري ولم يمارس‬           ‫إلـى عالـم الصداقـة مـع الأدبـاء الحقوقييـن الثلاثـة‪:‬‬
‫السياسـة العمليـة‪ ،‬فقـد اعتقـل هـو وصديقـاه يوسـف‬       ‫عبـد الرحمـن الشـرقاوي‪ ،‬وفتحـي غانـم‪ ،‬وأحمـد‬
‫الشـاروني وأنور كامل مؤسـس الحركة اليسـارية في‬          ‫بهـاء الديـن‪ .‬والأدبـاء المتفلسـفين‪ :‬محمـود أميـن‬
‫مصـر وصاحـب مجلـة «التطـور» التـي صـدرت‬                 ‫العالـم ويوسـف الشـاروني وعبـاس أحمـد‪ ،‬والفنانيـن‬
                                                        ‫التشـكيليين‪ :‬محمـد عويـس ونبيـه عثمـان‪ .‬وهـذه‬
                                 ‫عـام ‪1940‬م‪.‬‬            ‫الصحبـة مـن اليسـاريين ذوي الرؤيـة التقدميـة لـم‬
                                                        ‫تفـارق سـويف بعـد ذلـك وبقـي منهـم فـي صحبتـه‬
‫وأمـا مـا كتبـه وتبنـى فيـه هـذا المنهـج الاجتماعـي‪،‬‬    ‫كثيـرون كمـا يقـول‪“ :‬وهكـذا وجدتنـي مـع أحمـد بهـاء‬
‫فمقاله المطول الذي نشره عام ‪1950‬م باسم “معنى‬            ‫الديـن وصاحبيـه نكتـب فـي مجلـة «الفصـول» التـي‬
‫التكامـل الاجتماعـي عنـد برجسـون” فـي مجلـة علـم‬        ‫كان يصدرهـا محمـد زكـي عبدالقـادر‪ .‬ووجدتنـي مـن‬
‫النفـس أثنـاء فتـرة د ارسـته موضـوع الدكتـو اره باسـم»‬  ‫ناحيـة أخـرى أرتـاد معـارض الفـن التشـكيلي‪ ،‬واهتـم‬
‫الأســس النفســية للتكامــل الاجتماعــي”‪ .‬يفتتـح‬        ‫بمـا يصـوره محمـد عويـس وزميـاه فـي م ارسـمهم”‬
‫سـويف هـذا المقـال بحديثـه عـن مدخليـن لد ارسـة‬         ‫وقـد كان مصطفـى سـويف قريبـا كل القـرب مـن‬
‫“مشــكلة التكامــل الاجتماعــي”‪ ،‬أمـا الأول فهـو‬        ‫الثلاثـة المعروفيـن بمواقفهـم السياسـية والاجتماعيـة‬
‫تنـاول المشـكلة باعتبارهـا موجـودا فعـا دون النظـر‬      ‫المنحـازة للحريـة والديمق ارطيـة‪ ،‬وهـم‪ :‬عبـد الرحمـن‬
‫فيمـا يحيـط بهـذا الوجـود مـن ظـروف تاريخيـة عملت‬
                                                          ‫الشـرقاوي‪ ،‬وفتحـي غانـم‪ ،‬وأحمـد بهـاء الديـن‪.‬‬

‫‪113‬‬
   108   109   110   111   112   113   114   115   116   117   118