Page 114 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 114

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                   ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫علـى تشـكيله وتوجيهـه وجهـة خاصـة‪ ،‬والاكتفـاء المنهـج وأهميتـه و أرى أن تجويـد العلـم مرهـون بمـا‬

‫بالنظـر فـي بنائـه الداخلـي ومـدى تماسـكه‪ ،‬وامتحـان وصـل إليـه المنهـج العلمـي مـن تقـدم‪ ،‬فـدرس المنهـج‬

‫الكمـي الإحصائـي‪ ،‬ودرس علـم النفـس الإكلينيكـي‬          ‫صـدق الارتبـاط وقوتـه بيـن النتائـج والمقدمـات‪.‬‬
‫فـي لنـدن‪ .‬واسـتطاع أن يفتـح قنـاة نشـطة بينـه وبيـن‬    ‫وعيـب هـذا المدخـل ‪ -‬فـي أريـه ‪ -‬أنـه يغفـل جانبـا‬
‫معاهـد العلـم ومؤسسـاته المتقدمـة فـي العالـم‪ ،‬وأن‬      ‫مهمـا مـن جوانـب الموضـوع‪ ،‬يغفـل أن الفكـر نتـاج‬
                                                        ‫حـي‪ ،‬أنتجـه كائـن يحيـا فـي بيئـة اجتماعية‪ ،‬ويتكيف‬
     ‫يربـط بيـن العلـم وهمـوم المجتمـع المصـري‪.‬‬         ‫فـي جميـع وجـوه نشـاطه بمـا يلائـم ظـروف البيئـة‬
                                                        ‫الخارجيـة واسـتعداداته الفطريـة‪ .‬والفكـر نفسـه لـون‬
‫ومـن ثـم‪ ..‬كانـت رؤيتـه الاجتماعيـة المنبثقـة‬           ‫مـن ألـوان هـذا النشـاط‪ .‬وأمـا المدخـل الثانـي فيحـاول‬
‫مـن الفكـر اليسـاري هـي الرؤيـة الحاكمـة المحـددة‬       ‫أن يحـدد لمشـكلة التكامـل الاجتماعـي وللفيلسـوف‬
‫لتخصصـه ومجالاتـه المتعـددة‪ .‬وقـد أسـفرت هـذه‬           ‫الـذي يدرسـه موضعـه فـي الإطـار التاريخـي‪ .‬فتبيـن‬
‫الرؤيـة عـن نوعيـن مـن الكتابـة‪ :‬الكتابـة العلميـة‬      ‫نـوع هـذا الإطـار أو اللـون الغالـب عليـه مـن ناحيـة‬
‫المتخصصـة‪ ،‬والكتابـة الثقافيـة العامـة‪ ،‬كمـا أسـفرت‬
 ‫عـن مدرسـة علميـة رعاهـا سـويف طيلـة حياتـه‪.‬‬                ‫ونـوع الاسـتجابة‪ .‬وبذلـك تـرد للفكـر حيويتـه‪.‬‬

‫ومن ثم‪ ..‬فإن الحصاد العلمي عند سويف يتحدد‬               ‫ولعلنـا نلحـظ أن مصطفـى سـويف فـي هـذا المقـال‬
‫فـي مجاليـن لا انفصـال بينهمـا‪ :‬مجـال التخصـص‬           ‫درس معنى التكامل الاجتماعي من منظور تاريخي‬
‫الدقيق‪ ،‬ومجال الكتابة الثقافية العامة‪ .‬ويكمن و ارء‬      ‫اجتماعـي ورد الظاهـرة إلـى أصولهـا الاجتماعيـة‬
‫هذيـن المجاليـن رؤيتـه الفكريـة الاجتماعيـة التـي‬       ‫فـي فتـرة تاريخيـة معينـة‪ ،‬وأنـه نـص علـى أن الفكـر‬
‫ربطـت بيـن العلـم والفـن والفكـر‪ .‬وهـذا مـا دعـاه إلـى‬  ‫نفسـه لـون مـن ألـوان النشـاط الاجتماعـي‪ .‬وهـذا يؤيـد‬
‫تبنـي المنهـج العلمـي التجريبـي فـي د ارسـة الإبـداع‬    ‫توجهـه الاجتماعـي فـي د ارسـاته وأبحاثـه كلهـا‪ ،‬كمـا‬
‫وهـو مجـال ذاتـي غامـض كل الغمـوض‪ ،‬وإلـى‬                ‫يؤكـد علـى الوظيفـة الاجتماعيـة للعلـم بوصفـه أحـد‬
‫إخضـاع الجمـال لمسـاءلة العلـم واختبـار فروضـه‪.‬‬         ‫الأنشـطة الاجتماعيـة مـن جهـة‪ ،‬وسـبيلا لمواجهـة‬
‫ونحـاول فـي الفقـرة القادمـة تنـاول العلاقـة بيـن علـم‬  ‫التخلـف‪ .‬واللافـت للنظـر أن سـويف كتـب هـذا‬
‫الجمـال وموضوعـه التـذوق‪ ،‬وعلـم نفـس الإبـداع‬           ‫المقـال أثنـاء بحثـه عـن الأسـس النفسـية للتكامـل‬
‫وموضوعـه الإبـداع‪ .‬أو العلاقـة بيـن الإبـداع والتلقـي‬   ‫الاجتماعـي بمـا يشـير إلـى أن البحـث فـي علـم‬
                                                        ‫النفـس ذو صلـة بالجـذور الاجتماعيـة للظاهـرة أو‬
        ‫مـن منظـور كل علـم مـن هذيـن العلميـن‪.‬‬
                                                                                   ‫الموضـوع المبحـوث‪.‬‬
                   ‫‪-5-‬‬

‫وممـا سـبق يتبيـن أن مصطفـى سـويف لـم يسـتطع 	 الإبداع والتلقي‪:‬‬

‫كان سويف شغوفا بالفلسفة منذ بدايته‪ ،‬وظل هذا‬             ‫أن يحدد معالم تخصصه العلمي بمجالاته المعروفة‬
‫الشـغف مصاحبـا لـه حتـى كـون رؤيـة مبدئيـة عـن‬          ‫إلا فـي مطلـع السـتينيات مـن القـرن الماضـي‬
‫علاقـة الفلسـفة بـالأدب‪ ،‬محورهـا فلسـفة الجمـال‪.‬‬        ‫وبعـد أن حقـق إنجـا از علميـا مرموقـا برسـالتيه فـي‬
‫ولـم يشـأ أسـتاذه إلا أن يعـدل هـذه الرؤيـة بسـؤال‬      ‫الماجسـتير والدكتـو اره مـن جهـة‪ ،‬وبانغماسـه فـي‬

‫العمـل الثقافـي الاجتماعـي مـع رفقائـه مـن أبنـاء «ولـم لا تـدرس موضـوع الجمـال فـي إطـار مـن‬

‫جيلـه مـن جهـة ثانيـة‪ .‬وقـد وعـى سـويف ضـرورة علـم النفـس؟” وأمـده بكتـاب وودزورث فـي «علـم‬
‫النفـس التجريبـي»‪ ،‬وقـال لـه‪ :‬هاهنـا فصـل بكاملـه‬

                                                        ‫‪114‬‬
   109   110   111   112   113   114   115   116   117   118   119