Page 78 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 78
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
الذاتيـة وميدانـه الخـاص .وقـد احتلـت إشـكالية المعرفيـة أو الخطـاب المعرفـي السـائد خـال كل
العلاقـة بيـن مـا هـو مرئـي ومـا هـو مكتـوب )47(،أو فترة زمنية ،كما تحدث عن المؤسسـات الاجتماعية
النص/الصـورة ،مكانـة مهمـة فـي التـ ارث الغربـي؛ والثقافيـة المهيمنـة ،وكان مهت ًّمـا بالأشـكال المختلفـة
واتخـذت أشـكالا عديـدة وفًقـا للحقـول المعرفيـة التـي للسـلطة فـي المجتمعـات الحديثـة .وفـي كتابـه
تمـت مناقشـتها ،ففـي الأبسـتمولوجيا المعاصـرة كان «الم ارقبـة والمعاقبـة» تحـدث عـن الفحـص ،فقـال:
السـؤال عـن الكيفيـة التـي تتـم بهـا عمليـة المعرفـة «إنـه يدمـج التقنيـات التـي ت ارقـب ،وتقنيـات العقوبـة
واكتسـاب الوعـي :أيهمـا يمتلـك الأولويـة والسـيادة التـي تضبـط .إنـه نظـرة ضابطـة وهـو رقابـة تتيـح
علـى الوعـي ..اللغـة أم المرئـي؟ هـل التفكيـر يتـم التوصيـف والتصنيـف والعقـاب .إنـه يقيـم علـى
بواسطة اللغة؟ أي هل العقل ُيترجم كل ما ي اره إلى الأفـ ارد رؤيـة يمكـن مـن خلالهـا المفاضلـة بينهـم
لغـة؟ وبـدون هـذه العمليـة تفقـد الأشـياء دلالاتهـا،
أم أن المرئـي لـه لغتـه الخاصـة التـي تتجـاوز أيـة ومعاقبته ـم»)46(.
صياغـة لغويـة وتعلـو عليهـا؟ هـل اللغـة تسـتوعب
مـا هـو مرئـي بحيـث تنـوب عنـه فـي غيابـه؟ أم ويغطـى مفهـوم الفحـص – عنـد «فوكـو» – كل
أنهـا مجـرد قوالـب وصياغـات تحفـز الذهـن علـى مـا يحـدث خـال عمليـات فحـص المرضـى فـي
العيـادات والمستشـفيات ،وفحـص المسـاجين فـي
اسـتحضار الصـورة والمشـهد؟ السـجون ،وفحـص التلاميـذ فـي المـدارس ،والجنـود
فـي معسـك ارت الجيـوش ،وغيـر ذلـك مـن المواقـع
وفـى كتـاب «دولـوز»( )48عـن «فوكـو» – المعرفـة التـي تجـرى فيهـا عمليـات الفحـص التـي تُحـول
والسـلطة – يتحـدث «دولـوز» بتوسـع عـن إشـكالية الإنسـان إلـى شـيء أو رقـم أو موضـوع مناسـب
العلاقـة بيـن نظـام المرئيـات ونظـام العبـا ارت ،ويـرى
أن كلا منهما له عالمه المسـتقل والمتمايز ،وليس للرؤيـة والعـرض والتقييـم.
هنـاك أولويـة لأحدهمـا عـن الآخـر ،وإن مـا بيـن
الـكلام والرؤيـة – أو مـا ُيـرى ومـا ُيعبـر عنـه – إن تحليـل عمليـات الفحـص هـذه توضـح العلاقـة
ثمـة انفصـالا ،فمـا ُيـرى لا يجـد موقعـه إطلاًقـا فيمـا بيـن الضوابـط أو القيـود الاجتماعيـة والسياسـية
وسـلطة النظـرة المحدقـة أو قدرتهـا الخاصـة علـى
يقـال ،والعكـس صحيـح. تحويـل البشـر إلـى موضوعـات تجـرى م ارقبتهـا
وعقابها عند الضرورة .ومن خلال النظرة المحدقة،
ولعـل «دولـوز» بهـذا المفهـوم يعبـر عـن رفضـه وكـون المـرء دائ ًمـا موضو ًعـا وهدًفـا لهـذه النظـرة،
لأطروحـة «بـارت» التـي ذهـب فيهـا إلـى «أنـه مـن يجـرى التحكـم فـي سـلوك المجرميـن وتأهيلهـم ،ومـن
الصعـب تصـور نسـق مـن الصـور أو الأشـياء ثـم تصبـح النظـرة المحدقـة الخارجيـة بعـد ذلـك نظـرة
تسـتطيع مدلولاتهـا أن توجـد خـارج اللغـة ،فـا وجـود محدقـة داخلًّيـا ،أي يصبـح السـجين هـو السـجان
للمعنـى إلا باللغـة ،وعالـم الدلالـة مـا هـو إلا عالـم هـو الم ارقـ َب والم ارِقـب ،وقـد أصبحـت هـذه الآليـة
اللغة ..إذن كل نظام دلالي يمتزج باللغة ،والماهية أو هـذه المنظومـة الخاصـة بالم ارقبـة والعقـاب جـزًءا
البصريـة تعضـد دلالتهـا مـن خـال اقت ارنهـا برسـالة
لسـانية؛ كالسـينما والهزليات والصور الصحفية»()49 مـن الفكـر البصـري فـي العالـم الحديـث.
لكـن ينفـي «دولـوز» إمكانيـة أن تحـل اللغـة وانطلـق «جيـل دولـوز» مـن مفهـوم «فوكـو» بـأن
محـل الأشـياء ،كمـا أن الصـورة لا يمكـن أن تحـل عمليـة المعرفـة والتفكيـر تنشـأ مـن خـال ارتبـاط
محـل اللغـة ،ولا توجـد علاقـة مـن أي نـوع بيـن عالم الرؤية أي عالم الصور ،بعالم الكلام أي عالم
اللغـة؛ وكل عالـم مـن هذيـن العالميـن لـه اسـتقلاليته
78