Page 79 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 79
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
ولذلـك أرى «بودريـار» أن تصو ارتنـا عـن الواقـع الصـورة والنـص ،بيـن الكتابـة ومـا هـو بصـري.
تُ َشـكل مـن خـال التليفزيـون وأشـكال الميديـا ،هـذه ( )50وهـذا الاسـتقلال لا ينفـي وجـود علاقـة بينهمـا،
الأشـكال تقـف كبدائـل ورمـوز للواقـع ،بـل تكـون هـي لكنهـا ليسـت علاقـة ت اربـط وتصالـح ،كمـا أنهـا
الواقـع؛ حيـث لا نعـرف الواقـع إلا مـن خلالهـا .هكـذا ليسـت علاقـة انفصـال وخصـام؛ إنهـا علاقـة صـ ارع
حولـت هـذه الوسـائل – كمـا يقـول – كل الحيـاة وصـدام تتـم داخـل عمليـة التفكيـر ذاتهـا بيـن المشـهد
الاجتماعيـة وكل الواقـع إلـى صـورة ،لكنهـا صـورة
ليسـت أصليـة ولا الواقـع التـي تحـاول محاكاتـه البصـري واللغـة.
أصلـي ،والنتيجـة غيـاب الحقيقـة»)54(. وفـي هـذا الإطـار يناقـش «دولـوز» العلاقـة بيـن
فعـل اللغـة والصـورة فـي السـينما )51(.ويـرى أن هنـاك
ولا شك أن هذه الآ ارء عن عالم المحاكاة -غير انفصـالا بيـن كلا المكونيـن فـي الصـورة السـينمائية،
ذات الأصـل والصـور ال ازئفـة – تخلـو مـن كل طابـع حيـث تسـير الأصـوات فـي جانـب ،بينمـا يسـير
نقـدي ،ذلـك لأن «بودريـار» لا يقـدم أي وسـيلة المرئـي فـي جانـب آخـر .ولا يوجـد تسلسـل يتجـه مـن
يمكـن مـن خلالهـا التغلـب علـى هـذا العالـم ال ازئـف المرئـي إلـى العبـارة ،أو مـن الأخيـرة إلـى المرئـي.
الـذي يفتـرض وجـوده .وهـذا قـول يصـح أي ًضـا علـى
أمـا «بودريـار» فـ أرى أن الحضـارة الغربيـة – فـي
«دولـوز». النصـف الثانـي مـن القـرن العشـرين – قـد أعلـت
مـن شـأن الصـورة وجعلـت منهـا وسـي ًطا مه ًّمـا مـن
ومجمـل القـول :إن «الصـورة» – شـأنها شـأن وسـائط المعرفـة .هـذه المكانـة – التـي احتلتهـا
ظواهـر أخـرى عديـدة – قـد مـرت بم ارحـل تحـول الصـورة – قـد أدت إلـى غيـاب الواقـع وتواريـه
وتطـور حتـى بلغـت مـا بلغتـه الآن مـن تقـدم تقنـي خلـف عالـم مـن الصـورة المحاكيـة أي نسـخة غيـر
هائـل علـى كافـة المسـتويات )55(.إلا أنـه يمكـن ذات أصـل محـدد )52(.Simulacrumإن مثـل
التمييـز بيـن مرحلتيـن رئيسـيتين تحولـت الصـورة هـذه الصـورة أو هـذه النسـخة مـن الصـورة ليـس
لهـا مقابـل محـدد فـي الحيـاة الفعليـة ،إنهـا ليسـت
فيهمـا بيـن الشـيء ونقيضـه. تمثيـاً لشـيء محـدد ويصعـب تمييزهـا عـن الواقـع
أو فصلهـا عنـه ،وهكـذا فإنـه يمكـن اعتبارهـا نوعـت
المرحلـة الأولـى :هـي مرحلـة الحداثـة ،حيـث مـن الواقـع ال ازئـف ،الـذي يمكنـه أن يتجـاوز الواقـع
كانـت هنـاك علاقـة هويـة بيـن الصـورة والموضـوع
المشـار إليـه ،أي بيـن مـا تُجسـده الصـورة وبيـن الفعلـي ذاتـه.
الواقـع الفعلـي؛ وفـى هـذه المرحلـة كانـت الصـورة
وتعتبـر الصـورة المحاكيـة المرحلـة الأخيـرة مـن
مرتبطـة بسـياق تاريخـي واجتماعـي وسياسـي. تاريـخ الصـورة ،التـي تتمثـل فـي الحركـة مـن حالـة
كانـت الصـورة فيهـا بمنزلـة الأقنعـة التـي تحـل محـل
المرحلـة الثانيـة :هـي مرحلـة مـا بعـد الحداثـة، حـالات الغيـاب للواقـع الفعلـي ،إلـى حالـة (أو حقبـة
حيـث لـم ترتبـط الصـورة بأيـة واقعـة أو حـدث جديـدة) لا تحمـل الصـور فيهـا أي علاقـة بـأي واقـع
محـدد ،أي إنهـا تمتلـك قـدرة ذاتيـة علـى العمـل دون أيـا كان .إنهـا تتمثـل فـي حالـة المحـاكاة الخالصـة
الارتبـاط بموضـوع أو سـياق معيـن ،بمعنـى أنهـا نفسـها؛ إنهـا صـور محاكيـة لكنهـا لا تحاكـى إلا
عبـارة عـن نسـخ ازئفـة لا ترتبـط بـأي أصـل محـدد.
وهـذا علـى خـاف مـا ذهـب «أفلاطـون» ،حيـث نفس ـها(.)53
امتلكـت الصـورة قـوة الأصـل ،قـوة تفـوق الواقـع ذاتـه.
لكـن الصـورة تحولـت – فـي هـذه المرحلـة – مـن
كونهـا محاولـة لمحـاكاة الواقـع إلـى نمـوذج يحـاول
الواقـع محاكاتـه.
79