Page 70 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 70

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                  ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫فلسفة الصورة‬

            ‫الأستاذة الدكتورة‪ /‬أمل مبروك عبد الحليم‬
‫أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة ‪ -‬ورئيس مجلس قسم الد ارسات الفلسفية‬

                  ‫بكلية الآداب – جامعة عين شمس‬

‫يسمى «الحقيقة الوهمية» والمقصود به فن صناعة‬                                        ‫تمهيد‪..‬‬

‫«عالـم مـن الصـور»‪ ،‬يمكـن أن يظهـر لنـا وكأنمـا قد‬          ‫مـن سـمات عصرنـا ال ارهـن هيمنـة «الصـورة»‬
‫حـل محـل «الواقـع الفعلـي»‪ ،‬أو هـو بالأحـرى «واقـع‬          ‫وسـيادتها‪ ،‬لتكـون إحـدى أهـم الأدوات المعرفيـة‬
‫لا واقعـي»‪ ،‬يجـرى ابتداعـه بالكمبيوتـر‪ ،‬حتـى يبـدو‬          ‫والثقافيـة والاقتصاديـة‪ .‬وقـد شـهدت «الصـورة» عـدة‬
                                                            ‫تحولات مختلفة‪ ،‬أثرت بشكل كبير في إنتاج مفاهيم‬
              ‫لحواسـنا أكثـر حقيقـة مـن الحقيقـة‪.‬‬

‫جديـدة‪ ،‬أسـهمت فـي إثـ ارء كافـة الأنشـطة الثقافيـة تعريف الصورة‬

‫تعطـى بعـض القواميـس تعريفـات كثيـرة لكلمـة‬                 ‫والمعـارف الإنسـانية والقيـم والمعانـي الجماليـة‪.‬‬

‫«صورة» بد ًءا من الإشارة إلى عملية إعادة الإنتاج‬            ‫وقـد قـال «أرسـطو» ‪–384(Aristotle‬‬
‫(أو النسـخ) للشـكل الخـاص بإنسـان أو بموضـوع‬                ‫‪« :)322B.C‬إن التفكيـر مسـتحيل بـدون صـور‪.‬‬

‫فالصـور تمـأ الحيـاة العصريـة وتغـزو الأمكنـة معيـن‪ ،‬إلـى الإشـارة إلـى كل مـا يظهـر علـى نحـو‬

 ‫خفـي؛ وبخاصـة إذا كان غريًبـا أو غيـر متوقـع‪.‬‬              ‫والأزمنـة وتعايـش الإنسـان منـذ بـدء الخليقـة»‪ ،‬وهـذا‬
‫وبيـن هذيـن المعنييـن تشـتمل التعريفـات علـى‬                ‫مـا أكـده المفكـر الفرنسـي «رولان بـارت» حيـن أرى‬
‫اسـتخدامات خاصـة للمصطلـح تجسـد الخصائـص‬                    ‫أن الصـورة جـاءت لتكسـر الحواجـز والسـدود أمـام‬
‫المرتبطـة بالصـور المرئيـة‪ ،‬وكذلـك الجوانـب‬                 ‫الجماهيـر وتلغـى التمييـز الثقافـي والطبقـي‪ ،‬وتقتحـم‬
‫العقليـة‪ ،‬التـي تشـتمل علـى الوصـف الحـي‪ :‬مثـل‬              ‫إحساسـنا الوجدانـي وتتدخـل فـي تكويننـا العقلـي؛ بـل‬
‫الاسـتعارة الأدبيـة والرمـز‪ ،‬وكذلـك الـ أري أو‬
                                                               ‫إنهـا تؤثـر فـي حياتنـا الاجتماعيـة والسياسـية‪.‬‬

‫وفـى ظـل ثقافـة العولمـة – التـي غـزت عالـم التصور‪ ،‬والطابع الذي يتركه شخص أو مؤسسة‪،‬‬

‫التكنولوجيـا ووسـائل الاتصـال والتـي توظـف كمـا تقدمهـا وسـائل الإعـام الجماهيريـة‪)1(.‬‬

‫وقـد جـاءت كلمـة «الصـورة» فـي الاصطـاح‬                     ‫إمكانيـات الإعـام بطريقـة محكمـة – أصبحـت‬
‫اللغـوي (بالضـم وسـكون الـواو) بمعنـى الشـكل‪،‬‬               ‫الصـورة فـي كل مـكان‪ ،‬ولـم يعـد ممكًنـا أن نفكـر فـي‬
‫والجمـع ُصـَور و ِصـَور و ُصـور‪ ،‬وقـد صـوره‬                 ‫كثيـر مـن أمـور حياتنـا اليوميـة مـن دون أن نفكـر‬
‫فتصـور‪ ،‬وتَ َصـَّورُت الشـيء‪ :‬توهمـت صورتـه‬
‫فتصـَّور لـي‪ .‬والتَصاويـُر‪ :‬الت َماثيـ ُل‪ .‬وقـال «ابـن‬                                        ‫فـي الصـور‪.‬‬
‫الأثيـر» (‪ :)1232–1160‬الصـورة تـرد فـي كلام‬
                                                            ‫وقدي ًمـا أدرك ذلـك «أوفيـد» ‪Ovidius‬‬
                                                            ‫(‪ ) A.D18–43B.C‬حيـن قال‪»:‬ليـس فـي الكـون‬

‫كلـه ثمـة شـيء ثابـت‪ ،‬فـكل شـيء فـي تغيـر مسـتمر العـرب علـى ظاهرهـا‪ ،‬وعلـى معنـى حقيقـة الشـيء‬

‫وهيئتـه‪ ،‬وعلـى معنـى صفتـه‪ .‬يقـال‪ :‬صـورةُ الفعـل‬            ‫يسـيل مثـل المـاء‪ ،‬وأشـكال الكائنـات عارضـة»‪.‬‬
‫كـذا وكـذا أي هيئتـه‪ ،‬و ُصـورةُ الأمـر كـذا وكـذا أي‬        ‫أمـا الآن ونحـن فـي القـرن الحـادي والعشـرين وبعـد‬
‫صفتـه‪ .‬أمـا التصـُور فهـو حصـول صـورة الشـيء‬
                                                            ‫ثـورة الإعـام والمعلومـات وبـث الصـور التليفزيونيـة‬
      ‫فـي العقـل‪ ،‬أي تخيـل صورتـه فـي ذهنـه‪.‬‬                ‫عبـر الأقمـار الصناعيـة‪ ،‬إلـى أي مـكان فـوق سـطح‬

                                                            ‫كوكبنـا‪ ،‬فقـد أصبـح ممكًنـا ابتـداع عالـم مـن الخيـال‬

                                                        ‫‪70‬‬
   65   66   67   68   69   70   71   72   73   74   75