Page 72 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 72

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                   ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫القديمـة التـي تعنـى «الشـكل»‪ Form‬أو المظهـر هـذه الدلالـة وأثـرت فـي نظريـة المعرفـة وإشـكالية‬

‫ا لحقيق ـة ‪.‬‬                                                 ‫الخارجـي ‪.)7(Shape‬‬

‫و»الصـورة « ‪ -‬علـى هـذا النحـو ‪ -‬فكـرة تتطابـق‬               ‫وهكـذا تكـون الأفـكار التـي تُعـد تشـكيلات عقليـة‬
‫مـع الأشـياء مـن جهـة‪ ،‬وتتطابـق مـع العبـارة مـن‬             ‫هـي – إلـى حـد مـا –نو ًعـا مـن الصـور التـي تكـون‬
‫جهـة أخـرى‪ )9(.‬لكـن هنـاك تنوعـات وتباينـات فـي‬              ‫موجـودة فـي عقـل الفـرد‪ ،‬وعنـد مسـتوى نشـاطه‬
‫اسـتخدام كلمـة «الصـورة»‪ ،‬بعضهـا يرتبـط بالصـور‬               ‫العقلـي الأيقونـي أو المتعلـق بالتفكيـر بالصـورة‪.‬‬
‫الإد اركية الخارجية‪ ،‬أو الصور العقلية الداخلية‪ ،‬أو‬
‫الصـور التـي تجمـع بيـن الداخـل والخـارج؛ والبعـض‬            ‫والحق أننا نطلق كلمة «الصورة» على مستويات‬
‫الآخـر يرتبـط بالصـور التقنيـة أو الآليـة أو مـا ُيطلـق‬      ‫مـن الدلالـة مختلفـة(‪ ،)8‬فالصـورة قـد تعنـي اللوحـة‬
                                                             ‫المرسـومة أو اللقطـة الفوتوغ ارفيـة‪ ،‬وقـد تعنـي هـذا‬
                       ‫عليـه «الصـور الرقميـة»‪.‬‬              ‫الذي ينعكس على الأسطح الشفافة كالماء الصافي‬
                                                             ‫والم اريـا المصقولـة ومـا أشـبه‪ ،‬وقـد تنصـرف دلالتهـا‬
‫ولا شـك أن «الصـورة» – فـي العصـر الحديـث‬                    ‫إلـى مـا يتـ ارءى لنـا فـي الأحـام نوًمـا أو يقظـة؛ وهـي‬
‫– لـم تعـد تعنـي مجـرد نسـخة أو محـاكاة للعالـم‪،‬‬             ‫– في كل هذه الدلالات – تتطلب أصلا ارسـ ًخا‬
‫فالكلمة تعني الآن صورة منظمة أو صورة متشكلة؛‬                 ‫فـي الواقـع ُيظهـر نفسـه بوصفـه حقيقـة تُّعـد الصـورة‬
‫وهـي ناتـج للقـدرة التمثيليـة الخاصـة بالـذات‪ ،‬والتـي‬        ‫بالنسـبة إليهـا نسـخة وشـيًئا غيـر أصيـل إن طابـق‬
‫تخلـق الواقـع مـن خـال التمثيـل‪ .‬هكـذا تطـور تاريـخ‬
                                                                               ‫الواقـع مـرة‪ ،‬فلـن يطابقـه مـ ارت‪.‬‬
     ‫الصـور عبـر العالـم وفـى الغـرب خاصـة‪)10(.‬‬

                   ‫الصورة في الت ارث الفلسفي‬                 ‫و»الصـورة» – علـى هـذا النحـو – أقـل مـن‬
                                                             ‫الواقع‪ ،‬إنها مجرد نسـخة يتدهور فيها الأصل الذي‬
‫كانـت نظـرة «أفلاطـون» إلـى العالـم علـى أنـه‬                ‫نقيـس عليـه؛ وهـو آخـذ فـي الشـحوب والاضطـ ارب‬
‫مجـرد انعـكاس للمثـل‪ ،‬ومـا يصاحبهـا مـن قـول‬                 ‫والتحلـل‪ .‬ويـؤدى هـذا الفهـم إلـى وضـع الواقـع أو‬
‫بـأن الموجـودات المحسوسـة ليسـت سـوى مظاهـر‬                  ‫الحقيقـة موضـع الشـيء الإيجابـي الأصيـل‪ ،‬بحيـث‬
‫وأشـباح ازئلـة وصـور باهتـة لتلـك المثـل العقليـة؛‬           ‫تبـدو الصـورة الكيـان السـلبي اللاحـق‪ .‬وتـدل‬
‫هـي البدايـة الحقيقيـة لنظريـة «الصـورة»‪ .‬ولقـد أورد‬         ‫«الصـورة» أي ًضـا علـى المثـال بوصفـه بنيـة ماهويـة‬
‫«أفلاطـون» – فـي الكتابيـن السـادس والسـابع مـن‬              ‫قبليـة عنـد «أفلاطـون» – كمـا سـبق القـول – وعنـد‬
‫محـاورة الجمهوريـة – سلسـلة مـن التشـبيهات تُكـون‬
‫كلهـا حلقـة متكاملـة مـن الصـور أو المثـل‪ ،‬هـي‬                                     ‫«الأفلاطونيـة المحدثـة»‪.‬‬
‫تشـبيهات «الشـمس‪ ،‬والخـط‪ ،‬والكهـف»(‪ .)11‬هـذه‬
‫التشـبيهات لا تهـدف – فـي واقـع الأمـر – إلا إلـى‬            ‫و»الصـورة» بهـذه الدلالـة – سـواء شـاركت‬
‫محاولـة الاقتـ ارب مـن طبيعـة المبـدأ الأسـمى أي‬             ‫المحسوسـات فيهـا أم لـم تشـارك – تحتـل وض ًعـا‬
‫مثـال «الخيـر» الـذي يتناولـه بـكل تبجيـل وتقديـس‪.‬‬           ‫يقابـل الوضـع الأول‪ ،‬أي أنهـا هنـا هـي الأصـل‬
                                                             ‫الإيجابـي والبنيـة الماهويـة السـابقة‪ ،‬أمـا الأشـياء‬
‫فهـو يشـبه الخيـر بالشـمس‪ ،‬ويشـبه العالـم الـذي‬              ‫فإنهـا نسـخ محاكيـة للصـور؛ بينمـا تتغيـر الأشـياء‬
‫يديـن بوجـوده للخيـر بالأشـياء التـي تتلقـى نـور‬             ‫وتتحـول فـي تيـار الصيـرورة تبقـى الصـور دائمـا‬
‫الشـمس ولا تـرى إلا بفضلـه‪ ،‬أمـا العقـل الـذي هـو‬            ‫ثابتـة لا يعتريهـا أي تغيـر أو نقصـان‪ .‬وُيقصـد‬
‫وسـيلتنا إلـى معرفـة الخيـر فهـو أشـبه بالعيـن التـي‬         ‫بهـا كذلـك صـورة الفكـر – كمـا عند»أرسـطو»‬
                                                             ‫– أو العبـارة مـن حيـث هـي صـورة لغويـة‪ ،‬وامتـدت‬

                                                         ‫‪72‬‬
   67   68   69   70   71   72   73   74   75   76   77