Page 76 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 76
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
ذلـك لأن كيـان الصـورة سـيكولوجي ،بينمـا يمتـد ذلـك أننـا لا ُنـدرك المظاهـر أولا ،ثـم نسـتنبط بعـد
كيـان الموضوعـات الحقيقيـة بجـذوره فـي الواقـع ذلـك الواقـع منهـا ،وإنمـا نحـن ُنـدرك الواقـع مباشـرة؛
الفعلـي .وليسـت إيجابيـة الصـورة عنـد «باشـار»
أي نعاينـه عـن طريـق المظاهـر والإحساسـات.
دليـا علـى واقعيتهـا أو رسـوخها فـي عالـم الفعـل، أما«سـارتر» )1980–)Sartre1905فقـد اهتـم
وإنمـا هـي – فـي الحقيقـة – لا تتعـدى كونهـا حكـم بد ارسـة الصـورة المتخيلـة فـي كتابيـه «الخيـال»
قيمـة أو تأكيـد موقـف نظـري وخلقـي ،يقـول فـي و»الخيالـي» ،وهـذا الاهتمـام هـو – فـي حقيقـة
كتابـه «شـاعرية أحـام اليقظـة»« :الخيـال ليـس الأمـر – إعـادة صياغـة التمييـز بيـن الإد ارك
مجـرد ملكـة مـن بيـن الملـكات الإنسـانية ،وإنمـا هـو الحسـي والخيـال ،وهـو التمييـز الـذي أهملتـه فلسـفة
الملكـة السـيكولوجية التـي تميـز الوجـود الإنسـاني، «برجسـون» ،حيـن خلطـت بيـن الموضـوع الخارجـي
وتصـوره الخيالـي؛ وجعلـت كلمـة «صـورة» تـؤدي
بوصفـه موجـودا ُخلـق ليتخيـل»)34(.
ا لمعنيي ـن .
و أرى «ميرلـو بونتـي»)35( Merleau-Ponty
)1961–)1908أن «سارتر» قد أخفق في تحليله إن الإد ارك الحسـي هـو تمثـل لأشـياء حاضـرة
للصـورة المتخيلـة ،فمـن المسـتحيل أن نفهـم الصـورة حضـوًار فعلًّيـا ،أمـا الخيـال ،فإنـه تمثـل لهـذه الأشـياء
المتخيلـة مـن خـال فحـص الإمكانيـة الخالصة لتلك فـي غيابهـا ،بمعنـى أن الخيـال «يوجـد – علـى حـد
الصـورة بوجـه عـام ،أو مـن خـال تعريـف سـوف قـول سـارتر – علـى نحـو مغايـر للوجـود الـذي توجـد
ُيطبـق فيمـا بعـد علـى الأمثلـة التجريبيـة المشـابهة. عليـه الأشـياء ،لأنـه ليـس شـيًئا موجـوًدا وجـوًدا
لقـد فهـم «سـارتر» الجانـب المختفـي مـن الشـيء واقعًّيـا ،وإنمـا هـو يوجـد بوصفـه غياًبـا؛ أي وجـوًدا
علـى أنـه متخيـل غائـب ،طالمـا أنـه ليـس منظـوًار
فـي فعـل الإد ارك ،أمـا «ميرلـو بونتـي» فيـرى أن لا واقعًّيـا»)32(.
هـذا الجانـب الـا مرئـي يكـون حاضـًار فـي خبرتـي
الإد اركيـة ،وإن كان مختفًيـا فحسـب عـن رؤيتـي)36(. وفـي كتابـه «الوجـود والعـدم» ،يـرى «سـارتر» أن
ولقـد تأثـر – فـي هـذا الصـدد – بمذهـب الموضـوع الخيالـي غيـر قائـم فـي الوجـود ،أي أنـه
«الجشـطالت» )37(Gestaltوكتابـات «هوسـرل» عـدم ،ونحـن عندمـا نتخيلـه ُنـدرك أن هنـاك عد ًمـا
المتأخـرة ،وذلـك عـن الكيفيـة التـي تتيـح لنـا وصـف يتخلـل الوجـود؛ فالوجـود يتخللـه العـدم والعـدم يقـوم
الموضوعـات الغائبـة أو الأجـ ازء غيـر المرئيـة مـن فـي الوجـود .إذن «فـالإد ارك – كمـا يقـول – لا
شـأن لـه بالخيـال ،إنـه يسـتبعده بالدقـة ،والخيـال
الموضوعـات الحاضـرة. يسـتبعد الإد ارك .والإد ارك ليس أبًدا جمع صور مع
إحساسـات ،فهـذه النظريـة ينبغـي اسـتبعادها نهائًّيـا،
وفـي كتـاب «العيـن والعقـل» يوضـح «ميرلـو وتب ًعـا لذلـك ليـس المهـم البحـث عـن الصـور ،بـل
بونتـي» أن الإد ارك الحسـي للعالـم يبـدأ بالرؤيـة، إيضـاح المعانـي التـي تنتمـي حًّقـا إلـى الأشـياء».
وأن هـذه الرؤيـة تتجـه أول الأمـر إلـى سـطح
()33
العالـم ،لكنهـا لا تلبـث أن تتوغـل داخلـه ،بحيـث وينفي «باشلار» )1962–)Bachelard1884
ُيـدرك الإنسـان العالـم المحسـوس ويبلـغ خفايـاه مـن أن يكـون التخيـل إد ار ًكا عدمًّيـا لغيـاب الأشـياء،
غيـر أن يتخلـى عـن الرؤيـة )38(.وانفتـاح الرؤيـة ولكنـه إد ارك مباشـر لجوهـر الموجـودات .وفـي هـذا
علـى العالـم لكـي تُدركـه ،معنـاه أن هنـاك تلاقًيـا السـياق يسـتبعد ربـط الصـورة بغيـاب الموجـودات،
وجودًّيـا يتـم لا بيـن الأفـكار وحدهـا ،ولا بيـن أحـوال
76