Page 49 - merit 53
P. 49
47 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
وما توفره من مساحات
بوح شخصية لكثير من
الشخصيات المأزومة التي
تتعرض للاضطهاد ،بغض
النظر عن دوافع هذا
الاضطهاد وأشكاله .مع
ملاحظة أن هذه النصوص
لم تغرق في أبجديات
هذا العالم عند الكتابة،
لكنها اتخذته ر ِح ًما لتلك
الكتابات ،وجعلته مجا ًل
للتواصل مع الطرف
المقابل المتخيل أو الحقيقي،
فكانت الذات هي الظاهرة
بقوة ،والآخرون أو
ليو شتراوس فيكتور هوغو أفلاطون الآخر المعن ُّي مجرد شبح
أو طيف ،وربما خلقته
الكاتبة هذه الطريقة من الكتابة؟ الكاتبة من خيالها لتجد من تتحدث معه ،كما يحدث
لعل ذلك راجع أغلب الظن إلى أن الكاتبة ترى مع آخرين يتوهمون متحد ًثا يبادلونه أفكارهم،
العجز في القراء وفي الطرف المقابل عمو ًما ،وأنه فلم يكن ذلك أكثر من حيلة سردية تو ِّطد الكتابة
لا يستطيع مساعدتها ،فظروفها غير قابلة للحل
أو التجاوز كما يبدو من الكتابة ذاتها ،وربما لأن شرعيتها عبر مسارين من الكتابة؛ مسار الرسالة
الكاتبة لا تريد تعريف ذاتها بالحديث عن تفاصيل
حياتية قد تؤدي إلى كشف شخصيتها ،فيؤدي ومسار اليوميات ،ويضاف إليهما مسار السرد
هذا إلى مزيد من الاضطهاد ،بالإضافة إلى ما سبق
ذكره من أسباب التخفي وراء الاسم المستعار القصصي الروائي بصفته هو المسار الجامع لهذين
والمرتبط بعدم الثقة بالآخرين. المسارين المسيطرين على هذه النصوص ،ومسيطر
إ ًذا ،فإن هذه الظروف منشأ طبيعي للبوح الخارج
على الحالة الكتابية التي تنطلق منها الكاتبة.
ضمن هذين المسارين ،وضمن هذه الظروف
تشكلت أي ًضا شعرية هذه اليوميات والرسائل من الشكل الف ِّني والتعبير عن فكرة
خلال لغتها التي سعت إلى تأكيد معجمها المتصل الاضطهاد
بالقضية الأساسية ،فكانت جامعة للألم وصنوف
المعاناة ،فدارت اللغة في هذا الفلك ولم تخرج منه، لقد شكلت الرسالة واليوميات بهذا التوصيف
فكان أي ًضا هذا تناسبًا تلقائيًّا مع الذات وما تشعر أي ًضا طريقة مناسبة للتعبير عن الوحدة الناتجة
به ،ويشير إلى الصدق الواقعي في الكتابة ،وأكدت عن ظروف الاضطهاد التي تعيش الكاتبة تفاصيلها
هذا الصدق كذلك في أسلوب الكتابة حيث اختارت المرعبة ،لكنها لم تخبر من تتحدث عنه والمتلقين
كذلك ،عن تلك التفاصيل ،وبد ًل عن ذلك استفاضت
النصوص القصيرة ،ما يعني أنها تف ِّرغ حالات في الحديث عن أثرها النفسي الذي جعلها تحيا
الاحتقان النفسي أو ًل بأول ،ولا تلجأ إلى إكراه الحياة بعبثية وخواء وعدم جدوى ،كأنها لا تريد
لأحد أن يساعدها أو أن يتعاطف معها ،بل تريد أن
تع ِّرف الحالة النفسية التي تعيشها ج َّراء ظروف
غامضة أحاطتها بتكتم شديد ،فلماذا اختارت