Page 50 - merit 53
P. 50
العـدد 53 48
مايو ٢٠٢3
على كومة أوراق ،غارقة في بحر أبجدية أحاول الذات أو حملها على الكتابة ،لأنها كما قالت« :كل
دون جدوى فك طلاسمها؛ تسألني «ماذا تفعلين؟» خالق أدرى بما خلق؛ وأنا حاولت خلق نفسي من
نتف حكايا»( .عدد ،81ص )168من باب آخر فإنها
أُجيبك باقتضاب الجواب المعهود «أحفر نفقي».
تقول «بالقلم؟» .أقول «بالقلم ،وهل أملك سواه؟». كذلك لا تعيش رفاهية الكاتب لتكتب خارج هذه
الظروف السوداء ،فتص ِّرح أنها لم «تمتلك رفاهية
تسألني مرة أخرى إن كنت مسكونة بقصة
السجناء الستة الذين حفروا نفقهم بالملعقة ،وأقول قلم أو الكتابة به؟» (العدد ،97 /96ص.)111
لك «نعم ،لقد ألهمتني قصتهم الكثير»( .عدد /96 وبناء على ذلك فقد ولدت هذه النصوص في
،97ص)118 أجواء من الحرمان والخوف ،فجاءت «شعريتها»
لقد استطاعت هذه الحادثة أن تغير في تفكير وجمالياتها النصية واللغوية متوافقة مع هذه
الكاتبة وتخفف من سوداويتها القاتمة ،لكن هذا
الأثر لم يظهر فيما بعد من نصوص بل بقيت الظروف ،تف ِّصل الكاتبة في موضع آخر من الكتابة
تعاني من نزعتها التدميرية تجاه العالم ،فقد بمنشور على الفيسبوك هذه النقطة بقولها« :لا
جاء في نص (سينتهي العالم)« :سينتهي العالم
يا حبيبي وننتهي معه غريبين على حافة عالم أخضع لأي طقس من طقوس الكتابة؛ لا مكتب ،لا
يحترق؛ سننتهي لأن النهاية حتمية ،وخاتمة مكتبة ،لا فناجين قهوة بلا عدد ،لا أملي شروطي
البدايات النهاية ،سننتهي كما تنتهي القصص عادة
بأن ُتطوى الصفحة الأخيرة مع كثير من الندم ولا مزاجي على الأشخاص والأشياء ،لا أبدل
مواقع اللوحات ولا أستعين بالموسيقا ،لا أدخل
والأسف»( .السابق ،ص)119 عزلتي؛ لا أستطيع أن أدخلها ،لا أتأمل طوي ًل؛ لا
هذا المزاج العام للكاتبة كان بسبب ما تعانيه في وقت لدي كي أتأمل طوي ًل أو قلي ًل ،لا أستخرج
الواقع من ظلم عبرت عنه في هذه النصوص في الأقلام الثمينة ولا الورق المصقول كي أخربش
مواقع متعددة ،فعندما تحدثت عن الفايروس عليها أفكاري».
قالت« :لن أضع بين يديك باقة من الورد ،لن أقبل تصلح هذه النصوص لتكون مثا ًل شديد الدلالة
على كتابة المرأة المضطهدة التي تعاني ،ما جعلها
جبينك ،ولن ألثم خديك ،سأبقى رهينة وحدتي امرأة تشعر باللاجدوى من الحياة ،ومن الح ِّب،
وعزلتي ،ليس بسبب هذا الفايروس اللعين ،بل ومن الكتابة ،حتى أنها لا تهتم بمن يقرأ لها هذه
بسبب فايروسات اجتماعية لا تعد ولا تحصى». النصوص« :ولأن الفكرة الوحيدة التي تلح عليَّ
حينها هي التخلص من الفكرة بكتابتها ،أكتب دون
(عدد ،64 /63ص)117 اكتراث ،ولا اهتمام ،ولا أشغل نفسي إن كانت
هذا ما تقرره في رسالة أخرى بعنوان( :أنا قابلة للقراءة أم لا ..المهم أني أزحتها وانتزعتها
كوزيت)« :وتسألني لم عليَّ أن أكون كوزيت؟
وأقول لك كي أعري مجتمعك المتعفن وأتعرى أخي ًرا من رأسي ..هكذا أرتاح وتعود لي هدأة
لترى أثر أنياب الزمان على جسدي؛ ليس جسدي نفسي» (العدد ،81ص ،)165لكنها مع ذلك تكتب
المفرد بل جسد الكل ممن وقعن فريسة لوحوش لا كأنها تحاول أن تقهر العدمية بتأكيد وجود العدم
ترحم»( .عدد ،97 /96ص )121وتتعدى في هذا
النص الغرق في ذاتيتها ،ليع َّم حديثها كل النساء، نفسه بالكتابة ،وقد وصلت إلى أقصى ما يمكن
وهي تتحدث عن الظلم الاجتماعي الواقع عليها للمرء أن يصله من اليأس القاتم إلى درجة انعدام
الأمل ،ولم يشعرها بشيء منه إلا حادثة هروب
وعلى بنات جنسها. ستة أسرى من سجن جلبوع ،وقد استطاعوا أن
يتخلصوا من واقعهم ،وهم يعيشون في السجن
استحضار التراث والأسطورة
الموصوف بأنه الخزنة الحديدية ،ومع كل ذلك
هذا ما دفعها إلى استحضار شخصيات نسائية استطاعوا الفرار .هذه الحادثة أعطت الكتابة
شعو ًرا بالأمل ،تقول الكاتبة في رسالة بعنوان
(أحفر نفقي) :تسألني مرا ًرا ،وأنت تراني منكبة