Page 57 - تنوير 4-8
P. 57

‫لجنة الفلسفة وعلم الإجتماع والأنثروبولوجيا ‪ -‬المجلس الأعلى للثقافة‬

‫معيـار «النفـع» حيـن يحكـم علـى القيمـة الأخلاقيـة لفعـل وغيـاب الألـم‪ ،‬ونعنـي بالشـقاء الألـم وغيـاب اللـذة‪ )68(.‬لكـن‬

‫من الأفعال‪ ،‬فيرى أن الإنسـان يلتمس ما يحقق منفعته أو «بنتـام» حيـن عالـج مشـكلة الانتقـال مـن المنفعـة الخاصـة‬

‫إلـى المنفعـة العامـة‪ ،‬أقـام منفعـة المجمـوع علـى أسـاس‬            ‫لذتـه فـي كل فعـل يأتيـه‪ ،‬ويتجنـب مـا يـؤدي إلـى ضـرره أو‬
‫المنفعـة الفرديـة‪ ،‬ولـم يطالـب الفـرد بالتخلـي عـن أنانيتـه‬        ‫ألمـه‪ .‬يقـول‪« :‬لقـد وضعـت الطبيعـة الجنـس البشـري تحـت‬
‫لصالـح المجمـوع؛ بـل أ ارد أن يوسـع معنـى الأنانيـة حتـى‬           ‫سـيطرة اللـذة والألـم‪ ...‬فهمـا يتحكمـان فـي كل مـا نفعـل‪،‬‬
‫تـذوب فـي الخيريـة وتتلاشـى فـي العمـل لصالـح الآخريـن‬             ‫وكل مـا نقـول‪ ،‬وكل مـا نفكـر فيـه؛ ولا يمكـن أن يـؤدي‬
‫بشـرط ألا ينتهـي العمـل مـن أجـل المجمـوع بالقضـاء علـى‬            ‫أي جهـد نبذلـه للتحـرر مـن الخضـوع لهمـا إلا إثبـات هـذا‬
‫مصلحـة الفـرد‪ .‬أمـا «مـل» فقـد عكـس القضيـة‪« ،‬لأن مبـدأ‬            ‫الخضـوع وتأكيـده‪ ...‬ويعتـرف مبـدأ المنفعـة بهـذا الخضـوع‪،‬‬
‫المنفعـة – فـي مذهبـه – يقتضـي مـن كل فـرد أن ُينصـف‬               ‫ويفترضـه أسا ًسـا لهـذا المذهـب الـذي يهـدف إلـى تكويـن‬
‫غيـره‪ ،‬وُيخلـص فـي طلـب منافعـه إنصافـه لنفسـه وإخلاصـه‬            ‫نسـيج السـعادة»‪ )65(.‬ثـم يضيـف قائـاً‪« :‬والمقصـود بمبـدأ‬
‫فـي التمـاس مصالحـه ولذاتـه الخاصـة»‪ )69(.‬إن غـرض‬                  ‫المنفعـة ذلـك المبـدأ الـذي يتوقـف عليـه استحسـان فعـل مـن‬
‫الوجـود الأسـمى – ويسـتوي بذلـك خيرنـا أو خيـر الآخريـن‬            ‫الأفعـال أو اسـتهجانه بمقتضـى مـا لـه مـن نـزوع نحـو زيـادة‬
‫كمـا يقـول «مـل» – هـو «التطلـع إلـى حيـاة خاليـة مـن كل‬           ‫(أو نقصـان) سـعادة الجانـب الـذي يكـون الفعـل متعلًقـا‬
‫ألـم بقـدر المسـتطاع‪ ،‬حافلـة مـا أمكـن باللـذة المثلـى مـن‬         ‫بمصلحتـه‪ .‬وبعبـارة أخـرى‪ ،‬إن معيـار صـواب الفعـل إنمـا‬
‫حيـث الكـم والكيـف م ًعـا‪ ،‬حيـاة لا تكفـل ذلـك للإنسـانية‬          ‫يكمـن فـي نتائـج هـذا الفعـل ومـا تحققـه هـذه النتائـج مـن‬
                                                                   ‫زيـادة سـعادة الفـرد أو المجتمـع»‪ )66(.‬والأمـر الـذي كان‬
          ‫وحدهـا؛ بـل تتسـع لتشـمل كل كائـن حـي»‪)70(.‬‬              ‫«بنتـام» يسـعى إليـه هـو أن يجعـل مـن هـذا المبـدأ المعيـار‬

‫وخلاصة القول‪ :‬إن الأخلاقيين ذهبوا مذاهب شتى في‬                                           ‫المعتـرف بـه للأخـاق والتشـريع‪.‬‬
‫تصورهـم لمبـدأ الحيـاة الأخلاقيـة أو «الخيـر» الأخلاقـي‪،‬‬
‫فالاتجـاه التجريبـي قـد اتخـذ فـي الأخـاق مذهبيـن‪« :‬مذهـب‬          ‫وبّيـن «جيمـس مـل» – عـن طريـق سـيكولوجيا التداعـي‬
‫اللـذة « الـذي يجعـل مـن اللـذة خيـًار‪ ،‬ومـن الألـم شـًار‪.‬‬         ‫– بأننـا لا نشـعر بأيـة آلام أو لـذات سـوى آلامنـا أو لذاتنـا‪،‬‬
‫ومذهـب «المنفعـة» الـذي يجعـل مـن المنفعـة أو المصلحـة‬             ‫وهـذا يفسـر إمـكان السـلوك الغيـري مـن جانـب الفـرد الـذي‬
‫– أو بالأحـرى مـن أكبـر قـدر مـن المنفعـة – مبـدأً لتحديـد‬         ‫يبحـث بطبيعتـه عـن لذتـه الخاصـة‪ ،‬بمعنـى أن الفـرد لا‬
‫مـا هـو خيـر‪ .‬والفـارق بينهمـا أن الأول يعتمـد علـى الغريـزة‪،‬‬      ‫يبحـث عـن خيـر المجتمـع إلا مـن حيـث أنـه وسـيلة لخيـره‬
‫والثانـي يعتمدعلـى العقـل الـذي يقضـي أن يكـون الإنسـان‬            ‫الخـاص‪ )67(.‬أمـا «جـون سـتيوارت مـل» فقـد اتفـق مـع‬
‫أنفـع للآخريـن‪ ،‬بـدلا مـن أن يقتصـر علـى البحـث عـن أكبـر‬          ‫«بنتـام» فـي إقـ ارر مبـدأ المنفعـة غايـة لـكل سـلوك أخلاقـي‪،‬‬
‫قدر ممكن من اللذة أو السـعادة البشـرية جمعاء‪ .‬والمذهب‬              ‫وفى تعليق أخلاقية الأفعال الإنسـانية على مدى ما تحقق‬
‫العقلـي الـذي يسـتند إلـى العقـل فـي تقريـر «الخيـر» وقواعـد‬       ‫من منافع أو تدفع أض ارر‪ .‬يقول في مقدمة كتابه «مذهب‬
‫السـلوك الإنسـاني‪ ،‬فـي مقابـل أخـاق العاطفـة‪ ،‬التـي تسـتند‬         ‫المنفعـة»‪« :‬تتمسـك النظريـة التـي تعتنـق الأخـاق النفعيـة‬
‫إلـى عنصـر التعاطـف أو الرحمـة؛ وأخـاق الإ اردة التـي‬              ‫(أو مبـدأ أعظـم قـدر مـن السـعادة) بـأن الأفعـال تكـون‬
‫تمجـد الشـعور بالواجـب وتُجسـد السـلوك المـؤدى إلـى‬                ‫صائبة إذا كانت تميل إلى تحقيق السعادة‪ ،‬وتكون خاطئة‬
                                                                   ‫إذا مالـت إلـى الشـقاء والتعاسـة‪ .‬ونعنـي بالسـعادة اللـذة‬
                            ‫تحقيـق الغايـات الأخلاقيـة‪.‬‬

                                                               ‫‪57‬‬
   52   53   54   55   56   57   58   59   60   61   62