Page 33 - تنوير 4-8
P. 33

‫لجنة الفلسفة وعلم الإجتماع والأنثروبولوجيا ‪ -‬المجلس الأعلى للثقافة‬

‫وفـى تصنيـف ابـن رشـد يقسـم العلـوم الفلسـفية إلـى ثلاثـة‬         ‫تصنيـف دائـري واحـد ينـم عـن عقليـة قـد تجـاوزت كل أنـواع‬

‫أقسـام هـى‪ :49‬علـوم نظريـة‪ :‬غايتهـا العلـم والمعرفـة فقـط‪،‬‬        ‫الثنائيـات‪ ،‬ولعـل هـذه الرغبـة عنـد الفا اربـي كانـت تعكـس‬
‫وعلـوم عمليـة‪ :‬غايتهـا العمـل‪ ،‬وعلـوم منطقيـة تكـون بمثابـة‬
‫آلـة أو قانـون تعصـم الذهـن مـن الوقـوع فـى الخطـأ والزلـل‪.‬‬       ‫محـو ار أساسـياً مـن محـاور فلسـفته الشـخصية التـي حاولـت‬
‫ومـن الناحيـة المنطقيـة يقسـم الصنائـع النظريـة صنفيـن‪:‬‬           ‫التوحيـد بيـن آ ارء أفلاطـون وأرسـطو فـي مؤلفـه الجمـع بيـن‬
‫كليـة وجزئيـة‪ ،‬الكليـة تنظـر فـى الموجـود بإطـاق‪ ،‬وفـى‬
‫اللواحـق الذاتيـة لـه؛ وهـذه ثلاثـة أصنـاف‪ :‬صناعـة الجـدل‪،‬‬                                           ‫أري الحكيميـن(‪.)42‬‬
‫وصناعـة السفسـطة؛ وعلـم مـا بعـد الطبيعـة‪ ،‬أمـا العلـوم‬
‫الجزئيـة فهـى التـى تنظـر فـى الموجـود بحـال مـا‪ ،‬وهـى‬
‫علمـان‪ :‬العلـم الطبيعـي الـذى ينظـر فـى الموجـود المتغيـر‪،‬‬
‫وعلم التعاليم الذى ينظر فى الكمية مجردة من الهيولى‪.50‬‬

‫ويشير ابن رشد إلى أن أسباب انقسام العلوم النظرية ثلاثة‬                              ‫‪ -3‬تصنيف العلوم عند ابن رشد‬

‫أقسـام يعـود إلـى طبيعـة الموجـودات التـى تنقسـم إلـى أنحـاء‬      ‫مـن الملاحـظ ‪ -‬فيمـا يتعلـق بهـذا الموضـوع عنـد ابـن‬
‫ثلاثة‪ ،‬موجودات قوامها هيولى تكون من اختصاص العلم‬                  ‫رشـد‪ -‬أنـه لـم يكتـب رسـالة مسـتقلة فـى تصنيـف العلـوم‬
                                                                  ‫كمـا فعـل أسـافه العـرب ‪ ،‬غيـر أنـه اهتـم بهـذا الموضـوع‬
‫الطبيعـي‪ ،‬موجـودات لا تظهـر فـى حدودهـا الهيولـى‪ ،‬وإن‬             ‫فـى جوامعـه‪ ،‬وتلخيصاتـه‪ ،‬وشـروحه لكتـب أرسـطو‪ ،‬لذلـك‬
                                                                  ‫جاء اهتمامه بتصنيف العلم فى جوامع ما بعد الطبيعة‪،43‬‬
‫كانـت موجـودة فـى هيولـى (التعاليـم)‪ ،‬وموجـودات موجـودة‬           ‫وفـى شـرح البرهـان وتلخيصـه‪ ،44‬وفـى بعـض مقـالات‬
‫وجـوًدا مطلقـا‪ ،‬فيكـون النظـر فيهـا لصناعـة عامـة تنظـر‬           ‫تفسـير مـا بعـد الطبيعـة‪ ،‬مثـل مقالـة الجيـم‪ ،45‬والهـاء‪،46‬‬
‫فـى الوجـود مطلًقـا‪ 51‬وهـى الفلسـفة الأولـى أو العلـم الأول‬       ‫والـام‪ ،47‬كمـا يتنـاول أيضـا هـذه المسـألة فـى مختصـر‬
‫الـذى ينظـر فـى الأشـياء المفارقـة‪ ،‬والمتقدمـة فـى الوجـود‬
                                                                                                 ‫السياسـة لأفلاطـون‪.48‬‬
                          ‫علـى الأشـياء غيـر المفارقـة‪.‬‬
                                                                  ‫وهنـا لابـد أن نعـي تمامـا لـو لـم يصـرح الفيلسـوف بأنـه‬
‫لذلـك يقسـم ابـن رشـد أنـواع الفلسـفة النظريـة ثلاثـة أقسـام‬      ‫يؤلـف ص ارحـة رسـالة أو كتاًبـا يحمـل عنـوان تصنيـف‬
‫هـى‪ :‬علـم الأشـياء التعاليميـة‪ ،‬وعلـم الأشـياء الطبيعيـة‪،‬‬         ‫العلـوم علينـا كباحثيـن أن نكشـف عـن تصنيفـه مـن خـال‬

                              ‫وعلـم الأشـياء الإلهيـة‪52‬‬                          ‫ممارسـاته ومؤلفاتـه العلميـة والفسـفية‪..‬‬

‫وفـي تصنيفـات العلـوم عنـد العـرب لابـد أن نضـع فـي‬

‫الاعتبـار زوايـا النظـر إلـى ترتيـب العلـوم داخـل التصنيـف‬

‫الواحـد ‪:‬‬

‫•فيمكـن النظـر إلـى الترتيـب مـن الناحيـة التربويـة‪ ،‬أي‬  ‫	‬
‫مـن جهـة تعليـم العلـوم‪ ،‬أي علـم ُيشـِّكل متطلبـا لعلـم‬
‫آخـر؛ أعنـي أيهمـا يسـبق الآخـر فـي التعليـم‪ .‬فنجـد‬

‫الفا اربـي يؤكـد ذلـك المعنـى بقولـه‪»:‬إن الإنسـان إذا‬
‫أ ارد أن يتعلـم علمـا وينظـر فيـه ؛ َعِلـم علـى مـاذا‬

                          ‫ُيَقـَّدم‪ ،‬وفيمـا ينظـر»‪.53‬‬

                                                              ‫‪33‬‬
   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38