Page 180 - merit mag 36- dec 2021
P. 180
العـدد 36 178
ديسمبر ٢٠٢1 وأقنعهم أن حز ًنا
كالذي غادر ُت به ليلة أمس
من باب العرفان ،ومن باب الكتابة ،الذي تسميه القصيدة لا علاقة له بالأيديولوجيا()28
الشعر والغناء ،فهو يتط ّوح عالم الأشواق ،يخاطب ينفرد الشاعر بحزنه ،حتى
(= الرقص المولوي) ليخرج وهو في معية أصدقاء المقهى،
الشاعر هذا الأب الصديق، فقد غادر أمس حام ًل همه
ما في نفسه من رفض فيصف نفسه بالريفي بين جنبيه ،وعاد اليوم وقد
للقبح والكذب والعدوان على نوى أن يقنع نفسه أو ًل ،ثم
الغلابة ،فحاله كما هي حال الأحمق ،ثم يعود ويصف يقنع أصحابه أن ما انطوت
نفسه قائ ًل: عليه نفسه هو حال تخصه.
الناي الذي يشتاق لأصله ولا يبطل جدل الشاعر مع
في الجنة ،كما جاء في بداية صديق َك الحزين ذاته ،حتى جعل من نفسه
كتاب «مثنوي» في وصف الذي «ملامتيًّا»( )29يتوجه بالملامة
الناي «استمع إلى هذا الناي لنفسه لإهماله في حق نفسه،
«لن يتعلّم أب ًدا من فهل كان إهماله في حق نفسه
يأخذ في الشكاية ..وليس الماضي»()31 نات ًجا عن انخراطه في الجدل؟
س ّري ببعيد عن نواحي ..وإن وهو المتطلع إلى النور ،وإلى
يظل الشاعر حالمًا بعالم الحديقة ،وعليه أن يميل إلى
هذا الأنين نار وليس هواء.. يسود فيه العدل والحرية،
لقد صارت الأيام تسعى والحلم يصطدم بالواقع، الانفراد!!
في أحزاننا بغير وقت»(،)34 أما قصيدة «إلى يوسف
فالناي يشكو لأنه حزين، الذي نرى فيه ضربات إدريس» فقد انطوت على
السياسة تطوح بأحلا ٍم كان معاني الرومانسية ،مخلوطة
وهو ينوح ،ونواحه لا ينقطع، بالحزن الشفيف ،والغربة
لأن حزنه لا ينقطع ،وأما يوسف إدريس متمس ًكا القاتلة ،فيخاطب الشاعر
بأهدابها ،حتى بدا نز ًقا في روح الكاتب يوسف إدريس
الشاعر فقد كان حنينه لأيام تطلعه ،فقد قاتل من أجل هذه ( )١٩٩١ -١٩٢٧بعد رحيله
يوسف إدريس هي المناسبة الأحلام ،وانتهى به الأمر بعشر سنوات ،فقد كان
مصا ًبا بغيبوبة انتهت بموته يوسف إدريس لإبراهيم
التي ناح فيها ،كما ناح في النهاية .ويصور الشاعر داود الأب والمنقذ ،الذي التقط
الناي ،فرومانتيكية داوود غربته بعد رحيل يوسف الشاعر من بين أضابير
نابعة من حزنه ،وحزنه نابع إدريس ومحاولته التوافق مهنة المحاسبة؛ ليجعل منه
من شوقه ،إلى زمن يوسف مع الأوضاع على مدى عشر صحفيًّا ،والشاعر يخاطبه
إدريس الذي اختفى بموته سنوات ،لكنه يفشل ،ويكون
الرضا واختفى الحلم ،فكان خطاب ابن لأب:
الشوق لأيامه ولشجاعته مسلكه مثي ًرا للشفقة: «كنت طفلك الذي نسي
وحتى نزقه ،مدعاة للحزن وأكتب رسائل مبهمة
والأنين ،إنه الفردوس المفقود جوعه»(.)30
الذي يحن له الناي ويشكو. لأصدقاء مبهمين كانت تلك التوصية التي
أم ّزقها آخر الليل انتشلت داود من غرفة
صوفية الماوراء وأنا «أتط ّوح» في الهواء الأضابير ،بمثابة تذكرة
وأستمع إلى الأغنيات السفر إلى عالم الأحلام ،عالم
هناك نظرة أخرى للطبيعة
والكون والإنسان ،لا تنطلق نفسها()32
من الرؤية الدينية ،ومع ذلك هناك ثلاث إشارات:
فهي نظرة ذات صلة بالنظرة التط ّوح ،والحزن ،والغناء،
الدينية التأملية ،وبالرياضة كلها تشير إلى مؤسس
الروحية في أشكالها المتعددة، الطريقة المولوية( ،)33إلى عالم
مولانا جلال الدين الرومي
(١٢٧٣ -١٢٠٧م) إنه عالم
يدخل فيه النور قلب المريد