Page 7 - Jj
P. 7

‫افتتاحية ‪5‬‬

   ‫كان يؤديه المداحون قدي ًما في الصعيد وقرى‬       ‫وتنطلق إلى ربوع العالم‪ ،‬ففي داخل مصر مث ًل‬
   ‫الدلتا على السواء‪ ،‬حتى سنوات قليلة سابقة‪،‬‬        ‫ستجد أنما ًطا للغناء مميزة للمناطق الجغرافية‬
 ‫حيث تتش َّكل (فرقة غنائية) صغيرة‪ ،‬من أربعة‬        ‫والجماعات السكانية‪ ،‬مثل خط القناة والصعيد‬
                                                  ‫والنوبة والدلتا والصحراء‪ ...‬إلخ‪ ،‬وستجد الغناء‬
     ‫أو خمسة أفراد‪ ،‬غالبًا من بيت واحد ومن‬         ‫المصري عمو ًما يتميز عن الغناء الخليجي‪ ،‬وعن‬
    ‫ال ُّر َّحل الذين استوطنوا الريف‪ ،‬يستخدمون‬       ‫غناء دول شمال أفريقيا‪ ،‬رغم أن الكلمات في‬
‫آلات بسيطة مثل الربابة والناي والطبلة والدف‪،‬‬
 ‫والعازفون هم (البطانة) في الآن ذاته‪ ،‬ير ِّددون‬        ‫أغلبها عربية! وبالطبع هناك اختلافات بين‬
    ‫خلف المنشد الرئيسي‪ ،‬الذي غالبًا ما يكون‬           ‫الغناء العربي والآخر الأفريقي أو الآسيوي‬
  ‫عازف الربابة‪ ،‬بأصوات خشنة رفيعة وغليطة‬
    ‫وغير مستوية‪ ،‬وهم يغنون للعريس في ليلة‬                               ‫واللاتيني والأمريكي‪.‬‬
    ‫الحنة‪ ،‬أو أي مناسبة اجتماعية أخرى‪ ،‬مثل‬        ‫هذا الغناء الذي بدأ فطر ًّيا‪ ،‬قامت عليه مجموعات‬
  ‫السبوع والطهور أو نجاح تلميذ في الابتدائية‬      ‫من المختصين في كتابة كلماته ووضع موسيقاه‬
     ‫أو الإعدادية‪ ،‬أو ‪-‬وهذا مهم‪ -‬وهم يحيون‬
  ‫الليالي الدينية مثل مولد النبي (ص)‪ ،‬أو موالد‬       ‫وتنميطها‪ :‬بين العاطفي والحماسي والوطني‬
   ‫(العارفين بالله) المحليين ذوي المقامات التي‬     ‫والطربي و(الشعبي)‪ ،‬والشعبي هو موضوعي‬
‫يرتادها الناس للتبرك والتبرع‪ .‬لكل مناسبة من‬
 ‫تلك أغتياتها‪ ،‬لكن القاسم المشترك أن (المنشد)‬           ‫هنا‪ ،‬فالمختصون يحاولون وضع أغنيات‬
 ‫‪-‬الذي يكون غير مل ٍّم بالقراءة والكتابة غالبًا‪-‬‬     ‫تضاهي تلك التي تبتكرها الجماعات الشعبية‬
‫يحفظ قصة شعبية يلقيها في حفلات الأفراح‪ ،‬أو‬
 ‫قصة دينية يلقيها في الموالد‪ ،‬ويبث داخلها بين‬          ‫الفطرية‪ ،‬من حيث نوعية الكلمات ونغمات‬
                                                    ‫الموسيقى‪ ،‬وباستخدام الآلات الشعبية نفسها‪،‬‬
        ‫حين وآخر موسيقى أغنيات مشهورة‪.‬‬               ‫أو بعد تطويرها‪ ،‬هو غناء شعبي مصنوع في‬
   ‫كثيرون من أبناء القرى كانوا يسجلون هذه‬            ‫الأخير‪ ،‬لكن الغناء الشعبي الحقيقي ارتجالي‬
  ‫الحفلات على كاسيتات‪ ،‬في أواخر السبعينيات‬
 ‫وحتى ظهور وسائط أكثر تط ُّو ًرا‪ ،‬يقف الواحد‬            ‫في الأساس‪ ،‬لا ُيعرف له مؤلِّف أو ملحن‪،‬‬
    ‫منهم بجوار مكبر الصوت القديم (الهورن)‬             ‫يبتكره شخص ما مجهول‪ ،‬فير ِّدده آخرون‬
                                                    ‫مع الحذف والإضافة ليناسب ذائقتهم‪ ،‬وهكذا‬
       ‫راف ًعا المسجل ليحصل على أفضل وأعلى‬           ‫ينتشر وتتغير كلماته قلي ًل مع المحافظة على‬
    ‫صوت‪ ،‬ومن الشائع أن تستمع إلى أصوات‬               ‫تكوينه الأساسي‪ ،‬يحدث هذا في أغاني العمل‬
 ‫المستمعين (المتسلطنين) وهم يجأرون بعبارات‬          ‫مث ًل‪ ،‬وفي أغنيات الأفراح التي تؤديها النسوة‬
 ‫الاستحسان‪ ،‬بالضبط كتلك التي تسمعها ممن‬                ‫في القرى والنجوع وهن يقمن َبخ ْبز الكعك‬
    ‫يستمعون إلى الغناء بآيات القرآن في المآتم!‬       ‫والبسكويت والفطير للعروس‪ ،‬أغنيات تشبه‬
                                                       ‫العديد لكن كلماتها مفرحة‪ ،‬لا أعرف كيف‬
      ‫ولا تبتعد عن هذا حفلات السير الشعبية‬          ‫تمت هذه التوليفة العكسية‪ ،‬ربما لأن أجدادنا‬
     ‫المعروفة‪ :‬سيرة بني هلال (رحلة أبو زيد‬         ‫وجداتنا يتح َّسبون من الفرح الزائد الذي تعقبه‬
 ‫الهلالي وابني أخته إلى تونس بالذات)‪ ،‬وسيرة‬          ‫أحزان‪ ،‬وربما اتقاء الحسد! نلاحظه أي ًضا في‬
     ‫ذات الهمة وعلي الزيبق وأدهم الشرقاوي‬            ‫أغنيات العديد التي تغنيها واحدة من النسوة‬
      ‫وغيرها‪ ،‬حيث يعتمد (الصييت) على نص‬               ‫وتر ِّدد الأخريات خلفها‪ ،‬وهن يتحلقن حول‬
  ‫أساسي مسجوع يرويه‪ ،‬أحيا ًنا بقراءة عادية‬         ‫الميت انتظا ًرا لبدء طقوس الغسل والصلاة على‬
‫وأحيا ًنا بالغناء البسيط المُ َصاحب بآلات بسيطة‬     ‫الجثمان والدفن‪ ،‬هذه العادة التي اندثرت ‪-‬أو‬
 ‫أي ًضا‪ ،‬لكنها أكثر عد ًدا من آلات المداحين‪ ،‬حيث‬    ‫كادت‪ -‬بعد شيوع العادات الدينية القادمة من‬
     ‫تجد العود والأوكرديون والكمان‪ .‬شطارة‬             ‫الخليج‪ ،‬حيث يستقدمن (شيخة) تقرأ أدعية‬

                                                           ‫وآيات قرآنية‪ ،‬وير ِّدد النسوة وراءها‪.‬‬
                                                     ‫من أشكال الغناء الشعبي الارتجالي أي ًضا ما‬
   2   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12