Page 94 - Jj
P. 94

‫العـدد ‪35‬‬                           ‫‪92‬‬

                                                             ‫نوفمبر ‪٢٠٢1‬‬

‫مصطفى البلكي‬

‫خنجر في الخاصرة‪..‬‬

 ‫لمحت الصغير وهو يتحرك نحوهما‪ ،‬غادرته خو ًفا‬                          ‫‪-1‬‬
    ‫من لسانها‪ ،‬ويتفرغ للصغير‪ ،‬يبتسم في وجهه‪،‬‬
   ‫ويهز رأسه‪ ،‬ويفرد ذراعيه‪ ،‬ويجلسه على فخذه‪،‬‬         ‫وصلتها جملته‪« :‬قادر يا رب تراضيني»‪ ،‬فتعجبت‬
   ‫ويناوله كوب اللبن‪ ،‬فترى صغيرها وهو يشرب‬            ‫وقالت إنه لم يتغير‪ ،‬كانت قد عادت من عنده بعد‬

  ‫منه‪ ،‬فتقرض على نابها‪ ،‬وتكتم ما تود قوله خو ًفا‬        ‫علمها بخبر عودته‪ ،‬كنست له البيت‪ ،‬وملأت له‬
   ‫من لسانه‪ ،‬فلما طالت وقفتها‪ ،‬وجه نظراته إليها‪،‬‬      ‫جرة ماء من البئر‪ ،‬وحملت له فطو ًرا من طعامهم‪،‬‬
                                                     ‫ولما عرف زوجها‪ ،‬أوصاها ألا تلومه على ما جرى‪،‬‬
       ‫فظلت في مكانها‪ ،‬فطوح برأسه‪ ،‬فلم تزد ولا‬         ‫وذ َّكرها بأن اللوم خنجر في خاصرة من لا ظهر‬
    ‫نقصت‪ ،‬وردت على عقبيها‪ ،‬وغابت داخل البيت‪،‬‬
‫وظل في مكانه‪ ،‬لسان حاله يقول للعيون التي تتطلع‬          ‫له‪ ،‬استحسنت كلامه‪ ،‬وطلبت منه أن يمر عليه‪،‬‬
    ‫إليه‪ ،‬لا في إيدي ولا في جيبي‪ ،‬هاد ًئا‪ ،‬لا يخشى‬      ‫وعدها وغادر البيت‪ ،‬وسرعان ما ترددت نسوة‬
                                                    ‫الرهبة عليها لتهنئتها بسلامة عودة عمها‪ ،‬فلما خلت‬
      ‫الملامة ولا العيون‪ ،‬وبين الفينة والأخرى يمد‬     ‫الدار منهن كانت الشمس قد سطعت وملأت براح‬
   ‫يده ويلمس رأس الصغير‪ ،‬حتى مر عليهما بائع‬           ‫الرهبة إلا مساحة تظللها شجرة ذقن الباشا‪ ،‬التي‬
    ‫الجلاب‪ ،‬رآه فوقف مكانه وأخذ يشير إليه كأنه‬          ‫زرعها يوم مولدها‪ ،‬وأطلق عليها اسمها‪ ،‬وغاب‬
  ‫غير مصدق رؤيته‪ ،‬وبعد أن تبادلا الأخبار‪ ،‬أشار‬      ‫بعدها‪ ،‬كان مجرد اسم في حكايات تتردد في المكان‪،‬‬
    ‫الرجل إلى ما بين فخذيه وتكلم‪« :‬شابت لحاهم‬        ‫قدر للعيون في هذا الصباح رؤيته وهو يغادر بيته‬
‫ولسه العقل ما جاهم!»‪ .‬سمع وضحك حتى التصق‬              ‫زاح ًفا على مؤخرته‪ ،‬فلما وصل إلى جذع الشجرة‬
    ‫جسده تما ًما بجذع الشجرة‪ ،‬ورد عليه‪« :‬العقل‬        ‫منحها ظهره‪ ،‬رأته وقد ترك الجلباب لينحسر عنه‬
‫سبناه للي زيك يا عاقل»‪ ،‬ضحك كل من وصله الرد‬            ‫ويظهر الشيء الذي بين فخذيه‪ ،‬فغضت الطرف‬
    ‫في الرهبة‪ ،‬والأرملة قرضت على شفتها السفلى‪،‬‬      ‫عنه‪ ،‬و ُردت إلى تاريخه‪ ،‬رأته يمسك بزقلته يطوحها‬
   ‫وابنة أخيه أرخت طرحتها على وجهها‪ ،‬والبعض‬           ‫فتمتلئ العيون بمشهده‪ ،‬زوجها لخص سيرته في‬
‫اكتفى بالمراقبة ولم يبدر منهم أي رد فعل‪ ،‬يتركهم‬
  ‫ويترك البائع ويعود إلى الصغير‪ ،‬ويهمس‪ :‬مفيش‬                   ‫ثلاث كلمات‪ :‬طيش‪ ،‬ومجون‪ ،‬وجنون‪..‬‬
                                                         ‫تهز رأسها وتطرد كل ما توارد داخلها وتقول‬
                                          ‫وقار!‬
  ‫عاد إلى الصغير‪ ،‬وجده قد انتهى من شرب اللبن‪،‬‬              ‫لنفسها‪« :‬في شبابه كان أسد العيلة‪ ،‬غاظ كل‬
‫فأشرقت على وجهه ابتسامة انتصار‪ ،‬وح ّول عينيه‬           ‫أنداده»‪ ،‬وتترك صغيرها على عتبة الباب وتدخل‬
  ‫إلى الأرملة‪ ،‬وراح يردد‪« :‬قادر يا رب تراضيني»‪،‬‬       ‫حينما تلمح إحدى جاراتها وهي تحمل بين يديها‬
                                                        ‫كوب اللبن وقطع الفايش‪ ،‬تجلس المرأة بجواره‬
                                      ‫ثم سكت‪.‬‬          ‫بعض الوقت‪ ،‬يسري بينهما الهمس‪ ،‬حتى إذا ما‬
 ‫يدخل الرهبة بائع القرب‪ ،‬توقفه ابنة أخيه‪ ،‬وتدخل‬
   89   90   91   92   93   94   95   96   97   98   99