Page 96 - Jj
P. 96

‫العـدد ‪35‬‬   ‫‪94‬‬

                                                ‫نوفمبر ‪٢٠٢1‬‬

                               ‫‪ -‬ليه يا عمي؟‬      ‫نشاط غريب بعد أن أجلسته على الدكة‪ ،‬وبدأ يثب‬
                     ‫‪ -‬كان وهم يا بت أخوي‪.‬‬       ‫في حديثه من حكاية لأخرى دون أن يتوقف‪ ،‬وأمي‬
   ‫وطلب منها أن نتركه‪ ،‬فغادرت أمي بيته وهي‬
   ‫تتفادى أثناء حركتها في اتجاه بيتنا عيون أهل‬      ‫تنصت إليه باهتمام‪ ،‬لم تقاطعه ولا م َّرة واحدة‪،‬‬
‫الرهبة‪ ،‬دخلت خزانتها‪ ،‬ولم ترد على والدي الذي‬         ‫ثم فجأة توقف‪ ،‬ظنت أنه تعب أو ليس لديه ما‬
‫سألها عن سبب هذا الحزن‪ ،‬فترك البيت وخرج‪،‬‬          ‫يقوله‪ ،‬فه َّمت بمغادرته‪ ،‬إلا أنه عاد وأمسك بحبل‬
  ‫وما هي إلا دقائق وعاد لها بخبر وفاته‪ .‬وكأن‬       ‫الكلام وسأل عن والدي‪ ،‬فلما عرف بوجوده في‬
   ‫صوته ما زال حاض ًرا في اللحظة التي وصلها‬       ‫البيت‪ ،‬طلب منها أن تحضر له منه قطعة حشيش‬
    ‫صوت صبه الماء على رأسه العاري من الكوز‬            ‫وسيجارة وورقة بفرة‪ ،‬أشار ْت بإصبعها إلى‬
  ‫المركون بجواره‪ ،‬فشعرت بوحشة غريبة وهي‬         ‫عينيها‪ ،‬وقامت‪ ،‬سرعان ما عادت بسيجارة ملفوفة‪،‬‬
‫تشمله بنظرة‪ ،‬وكمن أمسك بفرع رمان‪ ،‬ارتعشت‬          ‫أشعلتها بعود ثقاب‪ ،‬ثم تراجعت وجلست قبالته‪،‬‬
      ‫شفتاها‪ ،‬وقررت جلده‪ ،‬فقالت‪ :‬ربنا ريحه!‬      ‫وبدأ يسحب دخانها وينفخه‪ ،‬مرس ًل نظراته خلفه‪،‬‬
                                                    ‫وعلامات الانتشاء تظهر على وجهه‪ ،‬كأنه يتابع‬
                ‫‪-3‬‬                                   ‫أشخا ًصا من خلالها‪ ،‬وما هي إلا دقيقة ووثب‬
                                                   ‫سري ًعا إلى حكايات مختلفة‪ ،‬تكلم وعاتب شخ ًصا‬
‫كنت ألعب مع العيال في ساحة الرهبة تحت‬            ‫ما‪ ،‬على الوهم والرعب الذي زرعه في عقول الناس‪،‬‬
                                                 ‫وأمي تسأله عما يقول‪ ،‬كان ينكس رأسه وينشغل‬
                                                     ‫بالتدخين‪ ،‬وحينما يعاود حديثه تعود وتسأله‪،‬‬
                                                     ‫فلا تجد منه ر ًّدا شافيًا‪ ،‬وبعد أن رضع دخان‬
                                                    ‫السيجارة‪ ،‬طلب منها أن تأخذه لفرشته‪ ،‬فمالت‬
                                                   ‫عليه ورفعته‪ ،‬واتجهت به إلى المندرة‪ ،‬مددته على‬
                                                     ‫سريره‪ ،‬فتركتها معه‪ ،‬ومنحت الجدران عيني‪،‬‬
                                                ‫فظهرت لي موحشة وهي عارية من الصور‪ ،‬وزادت‬
                                                    ‫الوحشة باكتشافي لخيوط العنكبوت التي تحتل‬
                                                  ‫الأركان ومساحات كبيرة من السقف‪ ،‬وزقلة تنام‬
                                                 ‫في ركن بعيد‪ ،‬يغوص جزء منها في أرضية المندرة‪،‬‬
                                                 ‫اتجه ُت إليها‪ ،‬ونزعتها‪ ،‬فلمحها بين يدي‪ ،‬فأمطرت‬
                                                     ‫عيناه الماء‪ ،‬وطلب مني أن أحضرها له‪ ،‬وما إن‬
                                                  ‫أصبحت بين يديه حتى دفعها إلى أمي وأوصاها‪:‬‬

                                                                   ‫«أمانة تحرقيها بعد ما أموت»‪.‬‬
                                                    ‫انكمش ُت على نفسي وتصاعد الصهد من أذني‪،‬‬
                                                ‫فتماسك ُت‪ ،‬عد ُت إليه لمحت رعشة تسري في جسده‪،‬‬
                                                    ‫وبتوتر ظاهر‪ ،‬يضرب المرتبة بيديه‪ ،‬فتهرع إليه‬
                                                    ‫أمي وتمسك بيديه‪ ،‬فيطوح رأسه‪ ،‬بينما الدموع‬
                                                ‫تهطل غزيرة من عينيه‪ ،‬فلما هدأ‪ ،‬أكمل وصيته وهو‬

                                                                     ‫يضرب السرير بقبضة يده‪:‬‬
                                                                           ‫‪ -‬والمدعوك ده كمان‪.‬‬
                                                                                        ‫قاطع ْته‪:‬‬
                                                                                ‫‪ -‬أعمل فيه إيه؟‬
                                                                                     ‫‪ -‬احرقيه‪.‬‬
   91   92   93   94   95   96   97   98   99   100   101