Page 112 - merit 36- dec 2021
P. 112

‫العـدد ‪36‬‬   ‫‪110‬‬

                                                            ‫ديسمبر ‪٢٠٢1‬‬

       ‫لا أجت ُّر خطا ًبا ماضاو ًّيا مهتر ًئا شائ ًخا أمام‬        ‫فيحفر مجراه بلا اكتراث‪ ،‬أو من هواء يتسلل‬
    ‫الحاضر والمستقبل‪ ،‬لكنّني لا أهتك قيمة الشعر‬                 ‫مندف ًعا من كوة متروكة بلا إغلاق‪ ،‬أو من جذع‬
                                                               ‫ارتطم بشدة دون أن ينتبه له أحد‪ ،‬أو من سقف‬
    ‫باستسهال مريب يهشم قداسة الكلمة ممثلة في‬                  ‫مفتوح فوق هواجسك‪ ،‬أو من د ٍم متخثر أو حديد‬
                                                             ‫صدئ أو حائط متكلس أو من عجين مختمر سقط‬
    ‫الشعر وجماليته‪ .‬رؤيتي لما أكتبه وسأكتبه من‬              ‫من العابرين أو حتى من مزمار أو صرا ٍخ في شارع‬
     ‫الشعر أ ّنه يخلق ذاته من ذاته‪ ،‬ويؤمن بحريق‬
                                                                                                    ‫جانب ّي‪.‬‬
‫الذات الذي يفجر كل طاقات النفس البشرية ليحقق‬                ‫سيظل الشعر هو كنز اللغة وسر الفن في ممارسته‬
                                                            ‫كرقصة‪ ،‬وليتحقق ذلك بأفق مفتوح علينا أن نتخلى‬
     ‫كينونتها‪ ،‬كما أراه لنفسي ولكل إنسان في هذا‬
                                                               ‫عن إغراقه في النمطية والذاتيه المتجهمة غالبًا‪ ،‬أو‬
   ‫الوجود المتناقض‪ ،‬والذي من تناقضاته يمكنه أن‬                 ‫المسخ الذي لا يعدو كونه هذيا ًنا‪ ،‬يحاكي تجارب‬
                                                             ‫عربية مستنسخة عن غربية مشوهة أحيا ًنا أخرى‪،‬‬
    ‫يشق طريق اكتماله وكينونته‪ ،‬والكلمة الشاعرة‬                ‫لننطلق نحو فضاءات أوسع من الابتكار والتوجه‬
                                                               ‫إلى العالم بلغة كونية ونبتكر أشكا ًل غير تقليدية‬
  ‫زاد ورسول ورسالة في ذلك‪ .‬وأزعم أنني سأترك‬                     ‫داخل القصيدة‪ ،‬ونفكك كل القيود التي تبدأ من‬
  ‫بصم ًة شعري ًة خاص ًة ومغاير ًة تميّز صوتي عمن‬
  ‫سواها‪ .‬ليس تعاليًا بالتأكيد‪ ،‬لكن إمعا ًنا في الخلق‬                                          ‫اللغة بالشعر‪.‬‬
                                                              ‫يلزمنا أي ًضا أن نراجع كتابتنا الشعرية ونحدثها‪،‬‬
     ‫والابتكار والغنى للإبداع‪ .‬لذا لا ولن أستنسخ‬
                                                                ‫وننتشل اللغة والصورة م ًعا من دوائرنا المغلقة‬
      ‫نفسي من سابقين أو معاصرين‪ ،‬وإن اطلعت‬                   ‫والمغلّفة‪ ،‬ليس في الشعر وحده بل وفي النقد حينما‬
                                                            ‫يكون هناك ما يستحق أن يسمى نق ًدا‪ .‬وبشكل أدق‬
               ‫واستفدت من كل ذي قيمة وإمتاع‪.‬‬
                                                               ‫فإن واقعنا الثقافي الذي لا ينفك عن أحوالنا كلها‬
   ‫أخي ًرا أشير إلى نقطتين‪ ،‬أولاهما ما شاع من لغة‬            ‫بحاجة للتغيير‪ .‬وحينما يحدث هذا فإن الشعر كل‬
‫مألوفة لدى بعض الشاعرات من استسهال الصوت‬
                                                                ‫الشعر سيستعيد جوهره‪ .‬عمو ًما وحتى لا أبدو‬
   ‫الأنثوي وتكريسه في خانة «النسوية» هو تفتيت‬                ‫حالم ًة أقول أن علينا جمي ًعا كشعراء أن نمارس هذا‬

   ‫لهوية الشعر التي لا ينبغي أب ًدا أن ترتبط بجنس‬                                                    ‫فرد ًّيا‪.‬‬
   ‫دون آخر أب ًدا‪ ،‬وهو تنحية لتقانة اللغة والشعرية‬                 ‫أ ّما ما يقال من تغيير الكتابة والشعر للعالم‬
   ‫والرؤية التي لا يفترض ولا ينبغي أب ًدا أن تكون‬           ‫والقضاء على الأرواح الشريرة ليصبح عالمًا ورد ًّيا‪،‬‬
   ‫حك ًرا على الرجل‪ ،‬ويرتبط بهذا (وبالنقطة التالية‬           ‫فهذا محض وهم وهتاف أجوف‪ ،‬لا المدن الفاضلة‬
‫كذلك) ما أس ّميه بـ»تر ّهل النص النسوي»‪ .‬والثانية‪،‬‬                 ‫حقيقة‪ ،‬ولا المثقف نب ّي أو قديس‪ ،‬ولا العالم‬
                                                                 ‫وأشراره كلاب «لولو» أساءت الأدب‪ .‬والكتابة‬
    ‫أن هناك هجمة حثيثة واعية ولا واعية‪ ،‬يدعمها‬                   ‫ذاتها فعل متناقض في عالم متناقض‪ ،‬فمن أين‬
                                                             ‫وكيف يكون لها جدوى؟! الكتابة شكل من أشكال‬
   ‫تهلهل المشهد الثقافي بشكل عام وانتشار الشللية‬            ‫ال ِفلاحة أو الركض أو الصراخ أو الغناء أو اللعب أو‬
                                                              ‫الرقص‪ ،‬وحتى تكسير الزجاج‪ ،‬أو العبث أحيا ًنا‪..‬‬
    ‫والاستقطاب‪ ،‬وذلك لإفراغ المشهد الشعري من‬                     ‫هل هي عزاء أو مرض؟ ربما‪ ..‬لكن الأمر ليس‬
                                                               ‫مطل ًقا على أي حال‪ ،‬بمعنى أ ّن هذا بالذات يرتبط‬
 ‫الشعرية الحقيقية‪ ،‬ومن القيمة والمضمون بتصدير‬
                                                                                   ‫بتفاصيل وسياقات معينة‪.‬‬
 ‫السطحي والأجوف والفارغ إلى الواجهات‪ ،‬وتنحية‬                    ‫قصيدتي التي أكتبها تنهض باللغة الشعرية إلى‬
                                                                 ‫جانب الرؤية والفكرة والذائقة‪ .‬وصحيح أ ّنني‬
      ‫الجيد لمصلحة كل المصالح إلا روح القدس في‬
      ‫النص‪ .‬وهذه جريمة شركاؤها ك ُثر‪ ،‬لا تكتمل‬

        ‫مقاومتها إلا بالإصرار الفرد ّي (أو ًل وثانيًا‬
     ‫وعاش ًرا) على تقديم الجيد وتطويره‪ ،‬والارتقاء‬
  ‫به‪ ،‬وعدم الاستسلام أمام أمواج الخواء الشعري‬

                                       ‫المنتشرة‬
   107   108   109   110   111   112   113   114   115   116   117