Page 283 - merit 36- dec 2021
P. 283

‫‪281‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫نص ونقد‬

‫لا تختصر كل شيء دفعة واحدة‬        ‫أي الحوار الداخلي مع الذات‪ ،‬يبدأ‬     ‫القصيدة ومن خلالها‪ ،‬معتبرة‬
 ‫لا تستعجل الوصول إلى حجرها‬         ‫بوصف تخيلاته ثم سرعان ما‬              ‫أن لحظة التفكير هي محطة‬
  ‫وارتشف الطريق نبي ًذا تعتق في‬
                                  ‫يتحول إلى أوامر يوجهها لنفسه‪،‬‬        ‫مهمة‪ ،‬من شأنها تعديل وتيرة‬
                         ‫جرار‬         ‫لكي يسرع لملاقاة تلك امرأة‪،‬‬     ‫أبيات القصيدة‪ ،‬كي تصبح أكثر‬
     ‫خبأها لك الشعر حيث عتمة‬        ‫مما يجعلنا نطرح أكثر السؤال‬       ‫بط ًءا وقابلية للتأمل في تركيبتها‬

               ‫الغموض اللذيذة‪.‬‬     ‫التالي‪ :‬هل يمكن اعتبار القصيدة‬                          ‫الداخلية‪.‬‬
     ‫يمكن القول إن الشاعر كان‬      ‫«مشه ًدا» رأى من خلاله الشاعر‬     ‫فما انفك الشاعر يذكرنا أنه كان‬
  ‫السارد‪ /‬المتحدث عنه في نفس‬      ‫أحلام يقظته‪ ،‬أم تكون حل ًما أبدع‬
 ‫الوقت‪ ،‬فبعد أن وصف لنا لقاءه‬                                         ‫يفكر ويمعن في التفكير في أكثر‬
‫بامرأة الموسيقى‪ ،‬خاطب نفسه في‬       ‫في وصفه‪ ،‬فكان هو الحالم بما‬        ‫من بيت وعلى امتداد القصيدة‪،‬‬
‫صيغة الأمر‪ ،‬فإذا به يتخذ موقع‬       ‫يحدث والشاهد عليه والمتحدث‬
 ‫السارد الشاعر‪ ،‬وموقع المتحدث‬                                            ‫وأن موضوع تفكيره‪ ،‬كانت‬
    ‫عنه في الآن نفسه‪ ،‬لما احتواه‬                            ‫عنه؟‬        ‫الحواجز النفسية التي يشعر‬
‫خطابه الشعري من أوامر‪ ،‬تمثلت‬      ‫لكي نتبين طبيعة الحوار الداخلي‬      ‫بها وجدرانه المتخيلة وإمكانيات‬
‫في ضرورة أن يختصر كل شيء‪،‬‬         ‫للشاعر لا بد من الرجوع إلى هذه‬        ‫التحرر منها وجدانيًّا وفكر ًّيا‪.‬‬
     ‫وألا يستعجل‪ ،‬وأن يرتشف‬
                                                         ‫الأبيات‪:‬‬           ‫لقد كان الملوح يروي لنا‬
                       ‫الطريق‪.‬‬      ‫وهبتك امرأة الموسيقى حجرها‬        ‫«حكاية شعرية» شيدتها صور‬
‫ومعنى ذلك أن عبد الوهاب الملوح‬
                                                    ‫قصعة أحلام‬            ‫متعاقبة تبحث عن معانيها‪،‬‬
  ‫يرى قدرة الكتابة الشعرية على‬                     ‫فمزقت ظلالك‬         ‫ما انفكت تدفعه إلى التفكير في‬
                                       ‫وألقيت بها قمصا ًنا للأماني‬     ‫إمكانية تحرره من كل العوائق‬

                                                          ‫العارية‬         ‫النفسية‪ ،‬والقطع مع الرؤى‬
                                                                      ‫السائدة الجمالية والميتافيزيقية‬
                                                                     ‫والوجودية‪ ،‬بل أو حتى البلاغية‪.‬‬
                                                                      ‫أما قصيدته الثانية بعنوان “أن‬
                                                                      ‫تفكر كصباح”‪ ،‬فيحاول الشاعر‬
                                                                       ‫تجاوز الزمن الموضوعي الذي‬
                                                                      ‫تحكمه عقارب الساعة باعتباره‬
                                                                    ‫باعثًا على الضجر‪ ،‬ليكشف لنا عن‬
                                                                     ‫زمنية أخرى تعيشها ذاته‪ ،‬وهي‬

                                                                              ‫زمنية خياله الشاعري‪.‬‬
                                                                       ‫فيحدثنا الملوح عن سعيه للقاء‬
                                                                    ‫امرأة الموسيقى‪ ،‬تلك التي خلصته‬
                                                                      ‫من قلقه الوجودي ومن قيوده‪،‬‬

                                                                         ‫لا ينبئنا عمن تكون‪ ،‬هل هي‬
                                                                        ‫وهم أم ذكرى أم حلم أم رمز‬
                                                                      ‫أم استعارة؟ بل يصف لنا كيف‬
                                                                        ‫أن طريق الوصول إليها جعله‬
                                                                       ‫مخمو ًرا بفعل غموض الشعر‪،‬‬
                                                                    ‫وأن وصلها جعله يتعثر‪ ،‬يتدعثر‪،‬‬

                                                                                     ‫يتبعثر‪ ،‬يتلعثم‪.‬‬
                                                                    ‫فجاء حديثه في شكل «المونولوج»‪،‬‬
   278   279   280   281   282   283   284   285   286