Page 284 - merit 36- dec 2021
P. 284

‫العـدد ‪36‬‬                             ‫‪282‬‬

                                     ‫ديسمبر ‪٢٠٢1‬‬

    ‫تعري ًفا آخر شاس ًعا واس ًعا في‬             ‫عبد الوهاب الملوح‬                     ‫ميغيل دي ثيربانتس‬
  ‫معناه‪ ،‬مقتضبًا في تعبيره‪ ،‬رغم‬
 ‫التكثيف من صوره واستعاراته‪،‬‬               ‫نفسها‪ ،‬وهي تكشف لنا عن‬              ‫أن تصبح فع ًل راهنًا حاض ًرا‪،‬‬
   ‫وهو أن الصباح مشقة إسكافي‬                               ‫أسرارها؟‬          ‫بالالتحام باللحظة الحاضرة إلى‬
                                                                             ‫حد التطابق‪ ،‬من خلال استعماله‬
     ‫أحذية الهاربين في وهم دون‬         ‫ربما‪ ،‬إلا أنها تبقى قراءة ممكنة‬       ‫صيغة الأمر‪ ،‬وبالتالي ألا تقتصر‬
‫كيشوت‪ ،‬والمقصود من هذا البيت‪:‬‬            ‫ضمن قراءات أخرى متعددة‪،‬‬            ‫أدواتها على وصف بعض مشاهد‬

    ‫أن الصباح باعتباره فترة من‬        ‫خاصة إذا اعتبرنا أن شعر الملوح‬                               ‫الماضي‪.‬‬
‫فترات النهار‪ ،‬لا شأن له بأحلامنا‬        ‫يقترب من الاتجاه السريالي في‬              ‫لذلك تبدو لنا تجربة الملوح‬
                                          ‫الأدب دون أن يتبنى الكتابة‬              ‫الشعرية رحلة في اللاوعي‬
  ‫المستحيلة‪ ،‬لأنها شبيهة بأحلام‬           ‫الآلية العفوية‪ ،‬من حيث أنها‬          ‫وقطيعة مع الزمن الموضوعي‪،‬‬
    ‫دون كيشوت‪ ،‬تلك الشخصية‬                                                  ‫للانتقال إلى «الزمن المتخيل» الذي‬
       ‫الروائية المعروفة للروائي‬      ‫تسعى إلى التحرر من كل القواعد‬          ‫لا تحكمه إلا رغبة الشاعر‪ ،‬وهو‬
                                                          ‫والضوابط‪.‬‬           ‫زمن لا يخضع إ ًذا إلا لمبدأ اللذة‬
  ‫الإسباني ميغيل دي ثيربانتس‪،‬‬                                               ‫وتجنب الألم من منظور فرويدي‪.‬‬
     ‫حين خرجت لخوض معارك‬                    ‫أما قصيدته الثالثة بعنوان‬           ‫ولأن الشعر مكن الشاعر من‬
                                        ‫“أغلفة لكتاب الصباح”‪ ،‬فيمكن‬         ‫تحقيق تلك الرغبات على المستوى‬
‫وهمية‪ ،‬من بينها تلك التي جعلتها‬         ‫القول إن الشاعر أتى بتعريفين‬         ‫الرمزي‪ ،‬فقد منح الكتابة إمكانية‬
‫تواجه طواحين الهواء بغية تغيير‬         ‫للصباح‪ ،‬فنفى في تعريفه الأول‬             ‫أن تصبح فع ًل راهنًا حاض ًرا‬
                                                                                ‫لا يقتصر على النقل‪ ،‬ولا على‬
  ‫العالم‪ .‬فكيف يمكن لإسكافي أن‬           ‫كل الاستعارات التي لا تحدد‬          ‫الوصف‪ ،‬بل على أن يكون ناج ًزا‬
 ‫يصلح أحذية لن تهدأ ولن تحقق‬               ‫ملامحه‪ ،‬وهي‪ :‬مخيلة الأمل‬                ‫ولو على مستوى التخييل‪.‬‬
‫مبتغاها مهما فعلت‪ ،‬لإدراك الزمن‬            ‫المتقاعس‪ ،‬مرآة شارع المطر‬               ‫فهل كانت امرأة الموسيقى‬
  ‫وإخضاعه لمشيئتها في عالم بات‬        ‫المتدفق‪ ،‬نزوة السكر في يد امرأة‬            ‫استعارة تحيلنا الى القصيدة‬
                                           ‫تستحم‪ ..‬أي أنه نفى تشبيه‬
                   ‫غريبًا عنها؟!‬           ‫الصباح بكل صورة شعرية‬
  ‫إن هذا التعريف للصباح يجعلنا‬       ‫تعكس إدرا ًكا ذاتيًّا للزمن (المخيلة‪،‬‬
                                       ‫المرآة‪ ،‬النزوة) لكي يقترح علينا‬
   ‫نتساءل عن مدى تأثر الشاعر‬
     ‫بالاتجاه الوجودي في الأدب‬

 ‫وبمفهوم العبثية‪ ،‬من وجهة نظر‬
 ‫فلسفية أدبية‪ ،‬بعلاقته «الشائكة»‬
 ‫بالعالم‪ ،‬بنظرته للإنسان وللشعر‬

                 ‫وللأدب عمو ًما‪.‬‬
       ‫فلا شك‪ ،‬أن الملوح ما انفك‬
   ‫يؤسس لقطيعة جمالية معرفية‬
 ‫فلسفية مع الشعر العربي القديم‬
‫بل وكذلك الحر‪ ،‬وقطيعة أخرى لا‬
  ‫تقل أهمية ‪-‬وهي أوسع نطا ًقا‪-‬‬
     ‫تتعلق بالتفرقة بين الأجناس‬
    ‫الأدبية‪ ،‬خاصة منها تلك التي‬
‫تتعلق بالتفرقة بين النثر والشعر‪،‬‬
  ‫وثالثة ميتافيزيقية تتعلق بفكرة‬
‫صفاء الجمال وأسبقيته واختلافه‬
      ‫عن القبح والفناء والانهيار‬

                       ‫والزوال‬
   279   280   281   282   283   284   285   286