Page 8 - merit 36- dec 2021
P. 8

‫العـدد ‪36‬‬                                  ‫‪6‬‬

                                              ‫ديسمبر ‪٢٠٢1‬‬

‫قال الشعر الذي ينسب إليه أو لم يقله‪ ،‬لكنه‬      ‫عن كتاب ألفه طه حسين المدرس بالجامعة‬
‫شكك في تفسيرات القرآن التي اعتمدت على‬           ‫المصرية أسماه “في الشعر الجاهلي” ك َّذب‬
  ‫الشعر الجاهلي‪ ،‬من حيث معاني المفردات‪،‬‬       ‫فيه القرآن صراحة”‪ ..‬إلخ ما جاء في مذكرة‬
 ‫فالعرب لجأوا إلى الشعر لتفسير ما غمض‬
                                                           ‫وكيل النائب العام محمد نور‪.‬‬
       ‫عليهم من كلمات القرآن التي لم تكن‬            ‫وأتصور أنهم انطلقوا في عدائهم لطه‬
    ‫معروفة لهم‪ ،‬وإذا بطه حسين يقول إن‬          ‫حسين من منطلقين أحدهما شكلي والآخر‬
 ‫هذا الشعر لم يسبق نزول القرآن بل تلاه‪،‬‬
‫وبالتالي لا يعد مفس ًرا له‪ ،‬فلا نفسر القرآن‬                                 ‫موضوعي‪:‬‬
‫بالشعر‪ ،‬بل نفسر الشعر بالقرآن‪ ،‬الذي هو‬           ‫شكليًّا اعتمد طه حسين على نظرية الشك‬
 ‫أكثر تعبي ًرا عن حياة العرب في تلك المنطقة‬
    ‫وفي ذلك الزمن‪ ..‬يقول في مقدمة كتابه‪:‬‬           ‫عند ديكارت‪ ،‬وهذا يعني ألا تعلو فكرة‬
 ‫«فسينتهي بنا هذا البحث إلى أن هذا الشعر‬            ‫فوق أخرى من حيث المبدأ‪ ،‬ولا تكون‬
‫الذي ينسب إلى امرئ القيس أو إلى الأعشى‬           ‫فكرة بذاتها مقدسة لأنها انتقلت لنا عبر‬
    ‫أو إلى غيرهما من الشعراء الجاهليين لا‬       ‫الأجيال وأنتجها الأقدمون‪ ،‬الذين يرفعهم‬
 ‫يمكن من الوجهة اللغوية والفنية أن يكون‬         ‫الناس فوق الناس‪ ،‬بل يكون الحكم للعقل‬
‫لهؤلاء الشعراء‪ ،‬ولا أن يكون قد قيل وأذيع‬           ‫دون سواه‪ ،‬فقد قال في مقدمة الكتاب‪:‬‬
‫قبل أن يظهر القرآن‪ .‬نعم! وسينتهي بنا هذا‬          ‫“وليس حظ هذا المذهب منتهيًا عند هذا‬
 ‫المبحث إلى نتيجة غريبة‪ ،‬وهي أنه لا ينبغي‬      ‫الحد‪ ،‬بل هو يجاوزه إلى حدود أخرى أبعد‬
 ‫أن يستشهد بهذا الشعر على تفسير القرآن‬           ‫منه مدى وأعظم أث ًرا‪ .‬فهم قد ينتهون إلى‬
  ‫وتأويل الحديث‪ ،‬وإنما ينبغي أن يستشهد‬            ‫تغيير التاريخ أو ما اتفق الناس على أنه‬
   ‫بالقرآن والحديث على تفسير هذا الشعر‬         ‫تاريخ‪ .‬وهم قد ينتهون إلى الشك في أشياء‬
 ‫وتأويله‪ )...( ،‬فهي ‪-‬الأشعار‪ -‬إنما تكلفت‬         ‫لم يكن يباح الشك فيها‪ .‬وهم بين اثنين‪:‬‬
‫واخترعت اخترا ًعا ليستشهد بها العلماء على‬         ‫إما أن يجحدوا أنفسهم ويجحدوا العلم‬
     ‫ما كانوا يريدون أن يستشهدوا عليه”!‬           ‫وحقوقه فيريحوا ويستريحوا؛ وإما أن‬
   ‫الآن تعرف لماذا ثارت ثائرة الإسلاميين‬      ‫يعرفوا لأنفسهم ح َّقها ويؤدوا للعلم واجبه‪،‬‬
  ‫ضد طه حسين وكتابه‪ ،‬ليس لأنه أراد أن‬          ‫فيتعرضوا لما ينبغي أن يتعرض له العلماء‬
   ‫يعمل عقله في التراث فقط‪ ،‬بل لأنه نسف‬       ‫من الأذى ويحتملوا ما ينبغي أن يتعرض له‬
  ‫قس ًما كبي ًرا من كتابات المفسرين القدماء‪،‬‬
   ‫واتهمهم بانتحال الشعر ونسبه للشعراء‬                    ‫العلماء من سخط الساخطين”‪.‬‬
    ‫الجاهليين كي يمرروا تفسيرات تناسب‬           ‫مبدأ الشك في الراسخ هذا‪ ،‬ونزع القداسة‬
  ‫هواهم للنصوص المقدسة‪ ،‬ومن شأن هذا‬              ‫عن المقدس‪ ،‬ما كان ليعجب أساتذة مادة‬
‫أن يثير الناقلين الذين استراحوا إلى المنقول‬
     ‫وحفظوه وأعملوا جهودهم في توصيله‬               ‫الدين في الأزهر ممن سلَّموا بالمستقر‪،‬‬
     ‫للأجيال التالية‪ ،‬هؤلاء الذين توقع طه‬     ‫واعتقدوا بفضل الأولين وعلوهم‪ ،‬وبتفوقهم‬
                                              ‫على المتأخرين‪ ،‬لأنه أتيحت لهم ميزة القرب‬
        ‫حسين نفسه أن كتابه سيستفزهم‬
                                                 ‫من عصر النبي‪ ،‬وبالتالي توفرت لهم من‬
                                              ‫الأخبار والحكايات ما لم يتوفر للمتأخرين‪.‬‬

                                                 ‫أما من حيث الموضوع فالشك في الشعر‬
                                                 ‫الجاهلي لا يقف عند نفي أن هذا الشاعر‬
   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12   13