Page 80 - merit 36- dec 2021
P. 80

‫العـدد ‪36‬‬   ‫‪78‬‬

                                                       ‫ديسمبر ‪٢٠٢1‬‬

                                          ‫بغل»‪.‬‬              ‫«أنا نبهتك أن سلوى زانية‪ ..‬ومن يمشي مع‬
 ‫في المناسبات الوطنية كلما سمع ُت أوبريت «أجيال‬                                    ‫الزانية‪ ..‬زا ٍن مثلها»‪.‬‬
  ‫ورا أجيال ها تعيش على حلمنا»‪ ،‬أتذكر شويكار‪:‬‬
                                                           ‫قل ُت له إنني معجب به لأنه إنسان طيب ومثالي‬
                  ‫«أنا ملتهبة ع الآخر يا دكتور»‪.‬‬         ‫ج ًّدا‪ ،‬ولديه إيمان مطلق بنموذج معين‪ ،‬لكن ليس‬
       ‫توقف ُت ‪-‬منذ زمن بعيد‪ -‬عن الاستمناء على‬
‫مضاجعات فيفي عبده وحركة ساقيها القويتين بما‬                  ‫بالضرورة كل الناس يؤمنون بهذا النموذج‪.‬‬
   ‫يكفي لجر مقطورة‪ ،‬واكتفيت بالفرجة على تفاهة‬                             ‫سألني بحدة‪« :‬هل أنت كافر؟»‬

                              ‫سمير غانم النقية‪.‬‬              ‫قل ُت له‪« :‬حاشا لله‪ .‬بالعكس أنا مؤمن بنفس‬
‫لم تعد هناك أرداف تصدر موسيقى خفية تستحق‬                  ‫النموذج اللي أنت مؤمن به‪ ..‬بس مش كلنا عندنا‬

   ‫الانجذاب وراءها‪ .‬كن ُت أخرج إلى الشوارع بحثًا‬                       ‫نفس إرادتك الجبارة في تطبيقه؟»‬
 ‫عن أي شيء يجعلني أضحك‪ .‬بينما «الأنا السفلي»‬                              ‫قال وهو يجمع بقية أغراضه‪:‬‬
  ‫الرجل الأصلع الذي يدخن الحشيش معي ظل في‬
  ‫البدروم‪ ،‬وهو ما زال يضحك على فترات متباعدة‬               ‫«لأنك تتبع هواك والشيطان يزين لك الحرام؟»‬
 ‫ويقول لي‪« :‬طول عمرك تافه وما عندكش قضية»‪.‬‬              ‫صديقي هذا‪ .‬الطيب المثالي الذي طالت لحيته ج ًّدا‪،‬‬
  ‫تمسكت ذاكرتي بمسار مختلف بعي ًدا عن مبادئ‬              ‫تزوج بعد عامين من سلوى نفسها بعدما اهتدت‬

     ‫ثورة يوليو والإخوان والقدس ومؤتمر مدريد‬                         ‫على يديه وتخلت عن عطر الزانيات‪.‬‬
    ‫والمظاهرات والوطن المستهدف ونصائح الناس‬              ‫مرت سنوات‪ .‬سنوات طويلة‪ ..‬قبل أن أراهما م ًعا‬
                                                       ‫بالصدفة على الكورنيش‪ .‬كانت عيناه أكثر جحو ًظا‪.‬‬
                   ‫الجادين ذوي البيجاما المقلمة‪.‬‬
         ‫شيء واحد لم يتغير‪ .‬سلوى‪ .‬رقة سلوى‬                   ‫وسلوى‪ ..‬سلوى كانت تسير منكسرة وراءه‬
‫وضحكتها‪ ..‬عجز ُت عن نسيانها‪ .‬لعلها كانت أشجع‬                        ‫بخطوة وهي تخب في نقابها الأسود‪.‬‬
     ‫مني هي وزوجها‪ .‬على الأقل عاشا م ًعا نموذج‬
  ‫الإيمان المطلق الذي لم أعثر عليه أب ًدا‪ .‬انتهى بهما‬     ‫ما كان يضيره لو ظل معي في غرفتي‪ ،‬وترك لي‬
    ‫الأمر كما تمنيا‪ .‬فبعد سنوات‪ ..‬سنوات طويلة‪..‬‬                      ‫سلوى ‪-‬كما كانت‪ -‬بعطر الزانية؟!‬
  ‫نال الاثنان الشهادة في سبيل الله‪ ،‬قتلهما المارينز‬
  ‫في شمال سوريا‪ .‬بينما أجلس هنا في الشقة التي‬                           ‫‪-10‬‬
       ‫ورثتها عن أبي‪ .‬أشاهد صورتيهما على قناة‬
   ‫الجزيرة‪ ،‬لأجد ذاكرتي تقلب في الفلكلور السري‬          ‫كن ُت أظن أنني لس ُت مثل الآخرين ممن يتظاهرون‬
                                                       ‫بمقاومة التفاهة‪ ،‬بل أعتبر ممارستها علنًا شجاعة‪.‬‬
                                    ‫الخاص بي‪.‬‬
 ‫كأننا لم نضحك م ًعا يا سلوى‪ ،‬في يوم ما من أيام‬           ‫فرصة عظيمة كي نسترد في داخلنا روح الطفل‬
‫الحياة! الآن هي جثة ميتة في شمال سوريا والعالم‬            ‫الأبله الذي لا تخطر في باله أية فكرة عن المرض‬

   ‫كله يتفرج عليها‪ .‬وأنا جثة حية في شقة‪ .‬جثة لا‬                                   ‫والألم والموت والفقد‪.‬‬
                                   ‫يفتقدها أحد‪.‬‬          ‫كل شيء بمرور الزمن يتحول إلى «فلكلور»‪ .‬كل‬

‫كان يمكن لمسار الطفو فوق نكتة الحياة‪ ،‬أن ينجح‪.‬‬              ‫الأفكار العظيمة التي مرت للحظات في رأسي‪.‬‬
   ‫لو استطع ُت أن أسامح نفسي منذ أن رأيتها على‬              ‫الشخصيات والذكريات وعقد الطفولة وأحلام‬
 ‫الكورنيش غارقة في نقابها الأسود وهي تتحاشى‬               ‫المراهقة وصور الفاتنات والثورات والمظاهرات‪.‬‬
                                      ‫النظر إل ّي‪.‬‬
                                                                      ‫كلها بمرور الوقت تصبح فلكلو ًرا‪.‬‬
                                                                ‫مدرس التاريخ صاحب الدفتر الملون مات‬
                                                             ‫بالسرطان‪ ،‬ولم يبق في ذاكرتي سوى جملته‬

                                                                         ‫الرنانة‪« :‬دي شعارات يا بطل»‪.‬‬
                                                        ‫نسي ُت كل ما كان يقوله جارنا ذو البيجامة المقلمة‬
                                                       ‫عن الأخطار التي تتهدد الوطن‪ ،‬فقط ظل في ذاكرتي‬

                                                          ‫صورته هو يتلتف كلما صح ُت من البلكونة‪« :‬يا‬
   75   76   77   78   79   80   81   82   83   84   85