Page 194 - m
P. 194

‫العـدد ‪55‬‬                               ‫‪192‬‬

                          ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬                            ‫تفقد الأمم حاستها‬

     ‫جاء انهزاميًّا‪ ،‬أو مضم ًرا‪ ،‬أو ثم أجهزت الإيديولوجيا‬      ‫التاريخية إذا غاب سؤال‬
‫مفعو ًل به‪ .‬وإن كانت لحظة الناعمة (وأعني بها نقل ثقافة‬         ‫الهوية‪ .‬ذلك أنه حال هذا‬
‫التراجع أو الهزيمة المعاصرة الآخر وأنماطه السلوكية‬              ‫الغياب‪ ،‬تنجرف بوصلة‬
‫هي الأشد بؤ ًسا‪ ،‬والأكثر والقيمية من خلال وسائل‬              ‫الوعي الجمعي في اتجاهات‬
‫خط ًرا على العقل العربي وعلى عابرة للحدود والقواعد‬            ‫شتي‪ ،‬وتتغلب عليها روح‬
‫الهوية العربية على حد سواء‪ .‬الأخلاقية الحاكمة لنا)‬           ‫السلب الحضاري‪ ،‬وتصبح‬
                          ‫وآية ذلك الخطر المبين تأتي‬
  ‫على العقول الفردية‪ ،‬من‬  ‫من محاور عدة‪ ،‬بعضها جاء‬                ‫مؤهلة للتبعية الثقافية‬
‫خلال تفكيك منظومة القيم‬    ‫نتيجة الاستعمار‪ ،‬وبعضها‬           ‫والفكرية وذي ًل في منظومة‬

                          ‫أحدثته التبعية والنزوع نحو‬                ‫الحضارة السائدة‪.‬‬
                                                              ‫وأحسب أن الأمة العربية‪،‬‬
                          ‫التقليد‪ ،‬وبعضها أي ًضا جاء‬
                                                                ‫في لحظتها الراهنة‪ ،‬تمر‬
                          ‫تحت تأثير الارتداد التاريخي‬           ‫بذلك السلب الحضاري‬
                                                             ‫الذي يتمظهر في مستويات‬
                          ‫الذي أكد علي حالة المسخ‬            ‫شتَّي‪ ،‬وعلى أصعدة عديدة‪،‬‬
                                                           ‫ثقافيًّا‪ ،‬واجتماعيًّا‪ ،‬وسياسيًّا‪،‬‬
                          ‫الحضاري‪ ،‬حينما نحاول‬                 ‫ومعرفيًّا‪ ،‬بما يسمح بأن‬
                                                               ‫تكون أرضها الحضارية‬
                          ‫تكرار التجربة الحضارية‬                ‫ميدا ًنا لمعارك تستهدف‬
                                                           ‫أفرادها‪ ،‬وثقافتها‪ ،‬ومخزونها‬
‫دون مواءمتها للمعاصرة‪ ،‬د‪.‬محمد دوير‬                            ‫التراثي‪ ،‬ولغتها‪ ،‬وطقسها‬
                                                               ‫الإنساني وهويتها‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫الإيديولوجيا الناعمـــــــــــــ‬                               ‫وتلك الهوية‪ ،‬كتعبير عن‬
                                                                 ‫شرط الوجود‪ ،‬وأدوات‬
                                                              ‫الفعل‪ ،‬وممكنات الحضور‬
                                                               ‫التاريخي‪ ،‬ظلت على مدار‬
                                                              ‫قرون سابقة‪ ،‬تحاول بناء‬
                                                              ‫معمار مستقل عن الآخر‪،‬‬
                                                           ‫ومتمايز عن العمق التاريخي‬

                                                                  ‫التراثي بكل إنجازاته‬
                                                            ‫وإخفاقاته‪ .‬ولكنها فشلت في‬

                                                             ‫ابداع خصوصية متمايزة‪،‬‬
                                                                ‫وشخصية متفردة‪ ،‬ولا‬

                                                            ‫نستطيع الجزم بأن لحظات‬
                                                             ‫حضور الهوية العربية كان‬

                                                                ‫قو ًّيا وساط ًعا في فترات‬
                                                                 ‫طويلة من تاريخنا‪ ،‬بل‬
                                                           ‫سنجده في الكثير من الأحيان‬
   189   190   191   192   193   194   195   196   197   198   199