Page 198 - m
P. 198

‫العـدد ‪55‬‬                              ‫‪196‬‬

                              ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬                           ‫بين العلم والتكنولوجيا‬
                                                              ‫والإيديولوجيا تبدو لي علاقة‬
     ‫بين الدولة والمؤسسات‬          ‫الإعلام الحكومية كانت‬
     ‫التجارية الخاصة حول‬        ‫تدار في صالح تلك الطبقة‪،‬‬          ‫دائرية‪ ،‬يتغذي كل طرف‬
    ‫الاستحواذ على الحق في‬        ‫هنا لم يعد احتكار المعرفة‬      ‫منها على السابق له ويغذي‬
      ‫تصدير القيم‪ ،‬وأسس‬
    ‫المواطنة‪ ،‬وصورة الحياة‬         ‫حك ًرا علي الطبقة العليا‪،‬‬                 ‫اللاحق عليه‪.‬‬
‫داخل حدودها الوطنية‪ ،‬حتى‬         ‫بل صارت التشاركية هي‬            ‫نعم‪ ،‬المعلوماتية تبدو أنها‬
  ‫تتمكن من توفير مساحات‬        ‫السمة الأبرز‪ ،‬والبعض ُيفتن‬       ‫ذات طابع تجاري من حيث‬
      ‫الأمان المطلوب لحماية‬     ‫بتلك الديمقراطية في النشر‬         ‫الوظيفة الأبرز لها‪ ،‬ولكن‬
‫الضعفاء والأطفال والأقليات‬
‫وذوي القدرات التكنولوجية‬           ‫الشخصي على مستوي‬                 ‫هل الهدف منها تسيير‬
  ‫المحدودة‪ ،‬من استخدامهم‬       ‫العالم‪ ،‬وبين الفئات العمرية‬      ‫المعلومات وتسهيل التبادل‬
    ‫بواسطة تلك المؤسسات‪.‬‬         ‫المختلفة‪ ،‬ولكنه ينسي ‪-‬أو‬        ‫التجاري فقط؟ بكل تأكيد‬
‫بمعني آخر‪ ،‬في عصر الذكاء‬                                       ‫لا‪ ..‬فالأفكار تنتقل كالسلع‪،‬‬
 ‫الاصطناعي ستكون الحرية‬          ‫يتجاهل‪ -‬أن اتجاه السهم‬       ‫والعادات المختلفة تتواتر بين‬
  ‫في مواجهة الحقيقة‪ ،‬حرية‬       ‫ليس ارتداد ًّيا بين الجمهور‬       ‫الجميع بصورة انسيابية‬
‫الفعل‪ ،‬وحقيقة الفعل‪ ،‬حريته‬      ‫والمالكين لوسائل التواصل‬      ‫لحظية حتى تكاد العين تعتاد‬
   ‫بمعني فتح كافة الطاقات‬     ‫الاجتماعي‪ ،‬فنحن ‪-‬الشغيلة‪-‬‬         ‫عليها أكثر من اعتيادها على‬
‫التعبيرية والتنفيذية من أجل‬      ‫نبوح بأفراحنا وأطراحنا‪،‬‬        ‫انسياب المياه في نهر النيل‪.‬‬
   ‫قول كل شيء‪ ،‬وفعل كل‬
‫شيء‪ ،‬دون وصاية أو هيمنة‬             ‫بآرائنا وتصوراتنا عن‬           ‫إنها تكنولوجيا أو تقنية‬
‫أو تأثير أو توجيه‪ .‬وحقيقته‬       ‫الحياة والمجتمع والدولة‪..‬‬       ‫معلوماتية تنشئ شريحة‬
  ‫بمعنى مضمونه الإيجابي‬           ‫إلخ‪ .‬ولكن لا ندرك ‪-‬على‬           ‫جديدة داخل تلك الطبقة‬
                                ‫الأقل ليس الكل‪ -‬أننا نقدم‬      ‫الاجتماعية التي تقود العالم‬
      ‫أو السلبي على النفس‬         ‫معلومات عن أنفسنا‪ ،‬أي‬         ‫وتتحكم فيه منذ خمسمائة‬
   ‫وعلى الآخر‪ ،‬وعلى التقدم‬                                      ‫سنة‪ .‬ولم يكن الزخم الذي‬
    ‫الاجتماعي‪ ،‬وعلى السلم‬           ‫نصوت خارج صندوق‬               ‫وفره لنا اكتشاف القارة‬
 ‫والتواصل البشري بصورة‬         ‫الاقتراع‪ ،‬لنقدم بدون دراية‬     ‫الجديدة‪ ،‬قارة الخوارزميات‪،‬‬
                              ‫مادة خصبة لتحليلات أجهزة‬           ‫سوى امتداد لنفس النهج‬
      ‫طبيعية‪ ،‬وعلى انعكاس‬     ‫الاستخبارات والشركات التي‬           ‫ما بعد اكتشاف القارتين‬
‫السلوك على حقوق الآخرين‪،‬‬        ‫تنتج سل ًعا استهلاكية لكي‬      ‫الأمريكيتين‪ .‬وبالتالي منحت‬
‫حقهم حتى في الكسل وعدم‬
                                  ‫توجه منتجاتها بالصورة‬             ‫تلك القارة الجديد ثق ًل‬
   ‫الانغماس في عالم ما بعد‬                          ‫المثلي‪.‬‬     ‫إضافيًّا لتلك الطبقة المالكة‪،‬‬
  ‫الإنسان الذي يبشرون به‪.‬‬
                                   ‫ولكن ثمة مشكلة كبرى‬              ‫وجعلتها أكثر رسو ًخا‪.‬‬
   ‫‪ -3‬إيديولوجيا‬               ‫ستظهر لنا حال الاستسلام‬           ‫لقد قبلت بما لم تكن تقبله‬
    ‫التكنولوجيا‬                 ‫لتلك السيطرة الخاصة على‬         ‫بالأمس هو شيوع المعرفة‪،‬‬

 ‫لقد تحولت التقنية في ذاتها‬         ‫ما يشكل عقول البشر‪،‬‬             ‫بعدما كان رجال الدين‬
      ‫إلى إيديولوجيا بالمعني‬      ‫حيث سيجعل صدورهم‬                  ‫يحتكرون الفهم الديني‬
                                   ‫عارية أمام شهوة الربح‬       ‫ويمتلكون صولجانه‪ ،‬وكان‬
‫السلبي‪ ،‬إيديولوجيا مفادها‪:‬‬       ‫المتعاظم‪ ،‬ويفتح الباب على‬    ‫رجال المال والأعمال يمتلكون‬
     ‫كلما زادت تلبية رغبات‬        ‫مصراعيه لانتهاك حقوق‬          ‫توجيه وسائل الإعلام التي‬
                              ‫الناس‪ ،‬وحرياتهم الشخصية‪،‬‬             ‫يمتلكونها‪ ،‬حتى وسائل‬
                                  ‫وحقهم في حياة آمنة من‬
                                  ‫التوغل عليها واقتحامها‪،‬‬
                                  ‫ومن ثم سيبقي الصراع‬
   193   194   195   196   197   198   199   200   201   202   203