Page 197 - m
P. 197

‫‪195‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

 ‫أدوية كل منا يصف لنفسه‬           ‫فتراجعت إلى حد كبير ذاته‬    ‫والأشياء‪ .‬وبنظرة متواضعة‬
   ‫علا ًجا مناسبًا له بالكيفية‬     ‫المستقلة‪ ،‬وانحسر حقه في‬          ‫على تطبيق الفايسبوك‬
     ‫التي يريدها أحيا ًنا ولا‬      ‫الوحدة إلى أدني حدودها‪.‬‬
  ‫يريدها أحيا ًنا أخرى‪ ،‬حيث‬     ‫لقد تحول الصراع إلى ثنائية‬     ‫مث ًل‪ ،‬قد نراه يشبه مصن ًعا‬
                                 ‫الإنسان والتكنولوجيا بدي ًل‬    ‫كبي ًرا‪ ،‬ينضوي تحت لوائه‬
‫تفرض الميديا عليك أشياء لم‬      ‫عن ثنائية الإنسان والإنسان‪،‬‬     ‫مليارين ونصف المليار من‬
‫تتوقعها أو تطلبها‪ ،‬مما يعني‬       ‫التي كانت تناضل من أجل‬        ‫البشر تقريبًا ‪-‬طبقة عاملة‬
                                  ‫حل مشكلة العدالة‪ ،‬أو بين‬
    ‫معه أن نظرية المعرفة في‬     ‫الإنسان والطبيعة التي كانت‬          ‫في صورة معاصرة‪،-‬‬
‫القرن الحالي تختلف كليًّا عن‬                                      ‫كل منهم يسهم بصورة‬
                                    ‫تسعي لترويض الطبيعة‬          ‫ما‪ ،‬نشطة أو غير نشطة‪،‬‬
  ‫نظيرتها في القرن الماضي‪،‬‬           ‫لصالح البشر‪ .‬وهذا ما‬          ‫في عملية الإنتاج‪ ،‬إنتاج‬
   ‫وذلك بفضل التكنولوجيا‬        ‫يفرض علينا سؤا ًل محور ًّيا‪:‬‬   ‫السيولة المعلوماتية‪ ،‬وتبادل‬
‫التي جعلت كل شيء متا ًحا‪،‬‬                                     ‫الأفكار والتجارب والخبرات‬
   ‫وفكرة الإتاحة هنا ليست‬              ‫إذا كانت التكنولوجيا‬      ‫والصور الشخصية‪ ،‬وكل‬
    ‫عم ًل نبي ًل طوال الوقت‪،‬‬     ‫تحقق الرفاهية‪ ،‬فهل حققت‬       ‫شيء تقريبًا‪ .‬ورغم كل هذه‬
                                                                 ‫الاختلافات في الإنتاج‪ ،‬إلا‬
     ‫بل ربما أحدثت ارتبا ًكا‬           ‫السعادة والطمأنينة؟‬     ‫أنها تشترك في شيء واحد‪،‬‬
     ‫معرفيًّا كبي ًرا‪ ،‬وخاصة‬
  ‫عندما يكون العقل الفردي‬       ‫‪ -2‬مجتمع المعلوماتية‬                ‫وهو دعم منطق الربح‬
  ‫غير مهيَّأ لمنهجة وفهرست‬                                     ‫والتراكم‪ .‬إنه نوع جديد من‬
  ‫تلك المعارف‪ ،‬بحيث يسبق‬          ‫إن استخدام العلم في أتمتة‬   ‫الاستنزاف الاقتصادي ولكن‬
    ‫العام الخاص‪ ،‬فكثي ًرا ما‬          ‫الحياة‪ ،‬وتحويل البشر‬
     ‫يقرأ أحدهم ‪-‬مث ًل‪ -‬في‬                                       ‫بطرق غير مباشرة‪ .‬ومن‬
‫نظرية دون أن يعرف الكثير‬           ‫إلي أيقونات يسهل التحكم‬     ‫هنا تأتي عبقرية الفايسبوك‬
   ‫عن محيطها المعرفي‪ ،‬كأن‬           ‫فيهم عن طريق المدخلات‬
   ‫يقرأ كتا ًبا في علم اجتماع‬                                     ‫ومعظم وسائل التواصل‬
   ‫المعرفة‪ ،‬أو بعض فصول‬               ‫والمخرجات التي يمكن‬       ‫الاجتماعي‪ ،‬في قدرتها على‬
    ‫منه‪ ،‬دون أن تكون لديه‬           ‫توجيهها بسهولة؛ أحدث‬       ‫تحقيق تراكم رأسمالي مالي‬
  ‫دراية كافية بعلم الاجتماع‬          ‫مشكلة عميقة في نظرية‬         ‫من تحت أنامل أصابعك‪،‬‬
     ‫كعلم له مناهج وقواعد‬          ‫المعرفة في الخمسين سنة‬      ‫أو من حنجرتك التي عملت‬
  ‫وأصول ومبادئ‪ ،‬وبالتالي‬          ‫الأخيرة‪ ،‬ذلك أن المعلومات‬   ‫بأقصى طاقة لها لكي تجذب‬
 ‫نصبح أمام معادلة واضحة‬           ‫أصبحت متاحة بوفرة أكثر‬        ‫المستمعين‪ ،‬وربما تشبعت‬
    ‫مفادها أنه أذا كان العلم‬       ‫من أي وقت مضي‪ ،‬حيث‬
    ‫هو حصان التكنولوجيا‪،‬‬        ‫وفرت التكنولوجيا مساحات‬           ‫وجدانيًّا ونفسيًّا من هذا‬
  ‫فإن التكنولوجيا هي أي ًضا‬       ‫شاسعة من المعارف متاحة‬      ‫الصدى الذي تجده لكلماتك‪،‬‬
  ‫حصان الإيديولوجيا‪ ،‬ومن‬         ‫لجميع سكان الأرض بدون‬         ‫فتكتفي بذلك الصدى كبديل‬
‫ثم تصبح الإيديولوجيا ‪-‬كما‬          ‫تكلفة كبيرة‪ .‬وفكرة توفر‬
  ‫أوضحنا في أوقات كثيرة‪-‬‬           ‫المعرفة في حد ذاتها شيء‬      ‫للتغيير الحقيقي والجذري‬
     ‫هي حصان العلم الذي‬           ‫عظيم وإنجاز بشري مهم‪،‬‬             ‫الذي يتوقف عنده كل‬
   ‫يخطو به في غابات البشر‬          ‫ولكن المشكلة تكمن في أن‬                     ‫استغلال‪.‬‬
    ‫من أجل السيطرة عليهم‬             ‫توفر المعلومات مرتبطة‬
‫وعلي الطبيعة‪ .‬أي أن العلاقة‬        ‫مباشرة بتراكمها بصورة‬         ‫هذا من ناحية‪ ،‬ومن جهة‬
                                ‫مقلقة‪ ،‬وكأننا دخلنا صيدلية‬       ‫أخرى‪ ،‬سنجد أن الإنسان‬

                                                                      ‫‪-‬وف ًقا لشروط عمل‬
                                                              ‫تكنولوجيا الاتصال‪ -‬أصبح‬
                                                              ‫مراقبًا في كل مكان يحل فيه‪،‬‬
   192   193   194   195   196   197   198   199   200   201   202