Page 92 - m
P. 92

‫العـدد ‪56‬‬       ‫‪90‬‬

                                                     ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬

‫الاختيار بهذه الميتة الباردة الهادئة؟ تغادر يوم أحد‬    ‫أعتقد أ َّن من جاء لأداء مه َّمته الوحيدة سينتبه إلى‬
 ‫يا سي محمد! لمن تركت بسمة الصباح و»سقاطة»‬           ‫رغبتك‪ ..‬المهم انتبه لنفسك واسترسل في نوم عميق‬
 ‫توفيق وعنتريات «عبجة» وهو يل ِّوح بالموسى التي‬       ‫حتى إن سمعت وقع أقدامنا‪ ..‬لا تلتفت ولا تحاول‬
  ‫لا تفارقه؟ أنت تعرف أني أكره الموت يوم الأحد‪..‬‬
                                                        ‫إخراج رأسك من الكفن لاستطلاع ما يجري‪ .‬ما‬
      ‫فلماذا فعلتها في صمت وكأ َّنك تخفي خطيئة؟‬          ‫يقع تعرفه‪ ،‬سيتقدم الإمام «محمد بالجيلاني»‪،‬‬

                ‫***‬                                          ‫سيذرف دم ًعا صاد ًقا لا يرجو منه مكافأة‪،‬‬
                                                      ‫وسيرفع يديه متض ِّر ًعا لله وهو يغالب أسنا ًنا تكاد‬
  ‫سيغادرون يا سي محمد جبنون وسيعودون إلى‬
  ‫منازلهم‪ ،‬لكن أشهد الآن أ َّن القرية فقدت برحيلك‬      ‫تقفز من فمه‪ ،‬وسيقول كلماته التي تحفظها لأ َّنك‬
‫يو َم الأحد‪ ..‬لم يبق إلا أن يمحى من خريطة الوقت‪،‬‬       ‫كثي ًرا ما جلست مع الشيوخ تقرأ «سورة ياسين»‬
  ‫تغادر يوم أحد دون أن تسخر سخريتك الأخيرة‬             ‫وما تلاها عندما يكون الشباب منهمكين في الدفن‬
   ‫من توفيق! هذا ما لم أتوقعه منك صراحة‪ ،‬وأكاد‬
                                                         ‫والردم‪« :‬هذا أخونا‪ ..‬أبونا ابننا‪ ..‬جئناك شفعاء‬
                 ‫أقول إن اختيارك لم يكن صائبًا‪.‬‬           ‫فشفعنا فيه‪ ..‬اللهم إن هذا عبدك ابن أمتك كان‬
   ‫حدث الذي حدث الآن‪ ..‬ولن ألومك‪ ،‬سنتحدث في‬          ‫يشهد ألا إله إ َّل أنت وأنت غني عن تعذيبه‪ ،‬فإن كان‬
                                                      ‫محسنًا فزد في إحسانه وإن كان مذنبًا فتجاوز عن‬
     ‫الأمر لاح ًقا‪ ،‬المهم احرص على أن تكون نكتتك‬
‫خفيفة هناك‪َ ..‬من يدري؟ لعلَّهم لا يتح َّملون طريقتك‬                                       ‫سيئاته‪.»..‬‬
                                                          ‫اغمض عينيك ولا تهتم‪ ،‬ها أنا أنقل لك المشهد‬
      ‫في السخرية والازدراء فيعاقبونك‪ ..‬ولا تنس‬         ‫بالألوان بعد أن عش َت حياتك بالأبيض والأسود‪.‬‬
    ‫أن تفسر لهم نظريتك في اختيار شريكة الحياة‬           ‫لك قريبان لن اسميهما لأنك تعرفهما سيقفان في‬
 ‫«التز ُّوج من نصف عاهرة»‪ ..‬فكرة طريفة أرجو أن‬       ‫الصف وسيذرفان دم ًعا كاذ ًبا وسيتقبلان التعازي‪،‬‬
    ‫تسجلها باسمك هناك وألا تترك معانيها تغيب‪.‬‬             ‫وكعادتي في هذه المناسبات سأتجاوزهما‪ ،‬ولن‬
  ‫ومع ذلك لن أقتنع باختيارك الأحد يو ًما للمغادرة‬
  ‫وأنا الذي أكره أن أموت يوم أحد‪ ،‬وسأحرص إن‬                        ‫أعزيهما‪ ،‬لقد آلمني موتك أكثر منهما‪.‬‬

              ‫حدث ذلك أن أؤجل دفني ليوم الغد‪.‬‬                     ‫***‬

                              ‫هوامش‪:‬‬                    ‫يا سي «محمد جبنون» وقف ُت مع الجموع أنظر‬
                                                      ‫الخلق وقد تج َّمعوا وعلامات الحزن بادية على ك ِّل‬
                               ‫‪ -‬بضاعة فاسدة‪.‬‬
                                    ‫‪ -2‬طازجة‪.‬‬            ‫من عرفك‪ ،‬والشباب في عزم يضعون الحجارة‬
                                                        ‫على جسدك المك َّفن‪« ..‬توفيق» كان واق ًفا عن بعد‬
              ‫‪ -3‬كاتب تونسي (‪.)2004 -1911‬‬
                  ‫‪ -4‬مدينة في الجنوب التونسي‪.‬‬          ‫يرقب صدي ًقا وع ًّما جمعتهما رحلة ضحك طويلة‬
                                                     ‫ثم انتهت يوم أحد‪ .‬بصراحة هل تعتقد أنك أحسنت‬
   87   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97