Page 138 - merit el-thaqafia 38 feb 2022
P. 138

‫العـدد ‪38‬‬                               ‫‪136‬‬

                                     ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬                          ‫محيي الدين ابن عربي‬

   ‫خلوتك حتى تعرف أين مقامك‬               ‫به الملاحة واعتزت به الرتب‬
       ‫وقوتك من سلطان الوهم‪،‬‬               ‫مقام القرب من الحبيب هو‬
                                         ‫أقصى ما تأمله نفس الشاعر‬
    ‫وعليك بالرياضة قبل الخلوة‬         ‫التي استبدت بها مقارع الاكتئاب‬
     ‫والرياضة عبارة عن تهذيب‬              ‫وأسجاف الاغتراب‪ ،‬لتجعلها‬
    ‫الأخلاق وترك الرعونة وترك‬               ‫تتخلف عن ركب العارفين‬
   ‫الأذى‪ ..‬فإذا اعتزلت عن الخلق‬
     ‫فاحذر من قصدهم إليك مع‬                   ‫المتصلين بالمنازل العلية‪.‬‬
 ‫إقبالهم عليك‪ ..‬وتحفظ عن طريق‬              ‫نحط الرحال أخي ًرا عند ابن‬
 ‫الخيالات الفاسدة أن تشغلك عن‬             ‫عربي‪ ،‬رحالة مبرز في العالم‬
 ‫الذكر‪ ،‬وتحفظ عن غذاك وجهدك‬              ‫الرمزي‪ ،‬بالكشوفات المعرفية‬
   ‫أن يكون دس ًما‪ ،‬ولكن من غير‬         ‫صاغ سؤال الوجود‪ ،‬معه بلغت‬
  ‫حيوان‪ ،‬واحذر من الشبع ومن‬           ‫الرحلة أقصى مدارج الروحانية‪،‬‬
‫الجوع المفرط والزم طريق اعتدال‬           ‫ما دامت «الولاية هي ‪-‬بد ًءا‪-‬‬
 ‫المزاج‪ ..‬وليكن عقدك عند دخولك‬         ‫ثمرة بحث شخصي ودائ ًما غير‬
 ‫إلى خلوتك أن الله عز وجل ليس‬         ‫مسبوق‪{ :‬لكل جعلنا منكم شرعة‬
   ‫كمثله شيء‪ ..‬ولا تطلب منه في‬
   ‫خلوتك ولا تعلق الهمة بغيره‪،‬‬                         ‫ومنها ًجا}»(‪.)16‬‬
  ‫واشتغل بالذكر حتى يدفع عنك‬         ‫من هذا المنطلق يقرر ابن عربي في‬
     ‫عالم الخيال ويتجلى لك عالم‬
    ‫المعاني المجردة عن المادة»(‪.)19‬‬    ‫أماكن متفرقة من فتوحاته عدم‬
     ‫هذه الوظيفة التطهيرية التي‬      ‫تكرارية التجلي ‪ ،Théophanie‬فلا‬
      ‫تضطلع بها الخلوة‪ ،‬هي ما‬        ‫الكائنات ولا الأشياء ولا الأحداث‬
     ‫يهيئ الصوفي لهذه الرحلة‪/‬‬
    ‫السياحة(‪ .)20‬نعم هي سياحة‬                        ‫تتكرر مطل ًقا(‪.)17‬‬
   ‫روحية متسامية بالكشف وفي‬          ‫من عتبات الرحلة العزلة والخلوة‪،‬‬
    ‫الكشف‪ ،‬نقول مع علي زيعور‬
  ‫«لكل بطل هجرة هي انتقال إلى‬          ‫وهذه الأخيرة ضرورية للسالك‬
  ‫أسمى وانقطاع عن ما ٍض وعن‬             ‫حتى يقطع العلائق التي تشغل‬
   ‫واقع إلى أمنيات وحياة أفضل‪،‬‬
    ‫فهجرته تجديد للحياة وبعث‬              ‫القلب عن التوجه إلى حضرة‬
‫لقوى‪ ،‬إنها ترك الشهوات وتفجير‬            ‫القدس‪ ،‬فيختار العزلة ويؤثر‬
  ‫الطاقات وترك اللذائذ الدنيوية‪،‬‬          ‫الوحدة‪ .‬وقد وضع الصوفية‬
     ‫وبحث انتهى ببلوغ للحقيقة‬
      ‫بمعنى أول وبكشف للذات‬                ‫للخلوة آدا ًبا وشرو ًطا منها‬
                                       ‫«إخلاص النية بقطع مادة الرياء‬
        ‫الداخلية بمعنى آخر»(‪.)21‬‬
    ‫لاحظ ميشيل شودكويش أن‬                ‫والسمعة واستئذان الشيخ ما‬
                                          ‫دام في حجر التربية‪ ،‬وتعود‬
      ‫ابن عربي عرض لتفاصيل‬
  ‫هذه الرحلة الروحية المتمثلة في‬       ‫السهر والجوع والذكر وملازمة‬
                                             ‫الوضوء‪ ،‬وألا يعلق همته‬
     ‫المعراج الصوفي في ثلاثة من‬
                                         ‫بالكرامات‪ ،‬وأن يلازم صورة‬
                                          ‫شيخه بين عينيه‪ ،‬وأن ينفي‬

                                        ‫الخواطر لأنها تفرق القلب عن‬
                                         ‫الجمعية الحاصلة بالذكر»(‪.)18‬‬
                                      ‫أما الشيخ الأكبر فيعرف الخلوة‬

                                           ‫كالتالي‪« :‬فالله الله‪ ،‬لا تدخل‬
   133   134   135   136   137   138   139   140   141   142   143