Page 183 - merit el-thaqafia 38 feb 2022
P. 183

‫‪181‬‬          ‫الملف الثقـافي‬

‫برتراند رسل‬  ‫ألبرت أينشتين‬     ‫أرثر ميللر‬                            ‫فقد مارس هذه الموهبة‬
                                                                   ‫على الدوام‪ ،‬فكانت سابقة‬
  ‫أن الخيال التركيبي للفنان‬    ‫تتخطى الظواهر اللاملاحظة‪،‬‬          ‫ومصاحبة ومرشدة لجميع‬
   ‫يمكنه أن يدخل في صورة‬          ‫وتقتحم عالمًا كان مجهو ًل‬
   ‫تأليفات وتركيبات متناقلة‬       ‫حتى ذلك الحين‪ ،‬وهو في‬               ‫تجاربه‪ ،‬وترجع قدرته‬
 ‫لا تلتزم بالواقع‪ ،‬لكن العالم‬       ‫تجاوزه للواقع الملاحظ‬       ‫وخصوبته ‪-‬بوصفه مكتش ًفا‬
  ‫لا يقبل الفروض التي تأتي‬
‫متناقضة مع حالة الأشياء أو‬     ‫يحتاج إلى كل ذرة من قدرته‬             ‫إلى حد كبير‪ -‬إلى القوة‬
                               ‫التخيلية‪ ،‬فلا عجب إذن حين‬                  ‫الدافعة للخيال(‪.)12‬‬
       ‫الوقائع الخارجية(‪.)15‬‬    ‫يقترب أقطاب العلم من الفن‬
     ‫وبصفة عامة‪ ،‬فإنه عند‬                                             ‫إلى كل هذا الحد يسهم‬
   ‫صياغة النظريات العلمية‪،‬‬          ‫اقترا ًبا شدي ًدا في طريقة‬     ‫الخيال في الكشف العلمي‬
   ‫فإن ذلك يتطلب استخدام‬          ‫إبداعهم وفي أبحاثهم على‬        ‫والنظريات العلمية‪ ،‬مما دفع‬
 ‫الخيال والتخمين والحدس‪،‬‬                                           ‫العالم الفيزيائي إلى القول‬
‫والذي يمثل أي ًضا قوى دافعة‬         ‫استكشاف المجهول(‪.)14‬‬        ‫بأن الاستخدام المبدع للتخيل‬
                                 ‫وثمة نقطة مهمة‪ ،‬وهي أن‬         ‫ليس فقط مصدر كل إلهام في‬
        ‫لكل اكتشاف علمي‪.‬‬                                        ‫الشعر والفن‪ ،‬بل يكون أي ًضا‬
                                   ‫الوظيفة التركيبية لخيال‬          ‫الاكتشاف في العلم‪ ،‬وهو‬
     ‫‪ -2‬الحدس‬                       ‫العالم تختلف من الشك‬           ‫بالفعل يوفر الدفعة الأولى‬
                               ‫الموجود لدى الفنان‪ ،‬لأن أول‬
  ‫قد يحاول المرء حل مشكلة‬       ‫ما يتسم به خيال العالم أنه‬              ‫لكل تطور وتقدم(‪.)13‬‬
‫ما ويشعر بأن الطريق أمامه‬      ‫علني‪ ،‬وأنه منطق لا يمكن أن‬             ‫فالمنبع الذى ينبثق منه‬
  ‫مسدود‪ ،‬وأنه لا جدوى من‬        ‫ينحرف بصاحبه عن وضع‬                   ‫الكشف العلمي الجديد‬
‫مواصلة البحث عن حل؛ لأنه‬          ‫الأشياء وصوره وقوانين‬          ‫والعمل الفني الجديد واحد‪،‬‬
  ‫لا يستطيع إحراز أي تقدم‪،‬‬     ‫حركتها‪ ،‬أما خيال الفنان فلا‬       ‫وإن الجذور الأولى والعميقة‬
                               ‫يتقيد بالمنطق والواقع‪ ،‬بل إنه‬      ‫للعلم الفن واحدة‪ ،‬ومن ثم‪،‬‬
                               ‫يأتي ضد المنطق‪ ،‬وهذا يعني‬            ‫فإن العالم الذي ينمي في‬
                                                                ‫نفسه حاسة التذوق الفني أو‬
                                                                 ‫الأدبي‪ ،‬إنما يرجع في الواقع‬
                                                                  ‫إلى الجذور الأصلية لمصدر‬
                                                                   ‫الإبداع في الإنسان‪ ،‬وربما‬
                                                                   ‫كانت رعايته لملكة الخيال‬
                                                                    ‫في ذهنه سببًا من أسباب‬
                                                                   ‫إبداعه في العلم‪ ،‬وبخاصة‬
                                                                ‫لأن النظريات العلمية الكبرى‬
                                                                     ‫تحتاج إلى قدر كبير من‬
                                                                ‫الخيال حتى تخرج بصورتها‬
                                                                  ‫المتناسقة المترابطة‪ .‬صحيح‬
                                                                ‫أن العالم يظل يلاحظ ويراقب‬
                                                                   ‫ويسجل الظواهر ويجري‬
                                                                  ‫التجارب عليها‪ ،‬ولكنه حين‬
                                                                   ‫يبدع نظريته العامة يقوم‬
                                                                ‫بتلك «القفزة» المشهورة التي‬
   178   179   180   181   182   183   184   185   186   187   188