Page 24 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 24

‫العـدد ‪38‬‬   ‫‪22‬‬

                                                        ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

‫بؤرة مركزية تتحلق حولها دلالات الحسرة والفجع‬            ‫الذي تفاعل مع الحالة المأساوية للإنسان العربي في‬
                                ‫والألم والضياع‪.‬‬         ‫سوريا‪ ،‬فتفتقت ملكة البوح السردي لديه من خلال‬

‫أول ما يطالعنا عنوان الأضمومة « ُد ْم َية»‪ ،‬الذي أتى‬                          ‫جنس القصة القصيرة ج ًّدا‪.‬‬
   ‫عبارة عن كلمة مفردة بصيغة التنكير وبماديتها‬            ‫أنطلق من فرضية مفادها أن القصة القصيرة ج ًّدا‬
      ‫الخالصة المحيلة على لعبة صغيرة أثيرة لدى‬          ‫هي أقدر الأجناس السردية على رسم الدمار العربي‬
   ‫الطفلات الصغيرات‪ ،‬وترمز إلى البراءة والعفوية‬
     ‫والانطلاق‪ ،‬كما أنها مدعاة الترويح عن النفس‬              ‫في أدق جزئياته وأشدها كثافة واختزا ًل‪ ،‬وإلى‬
                                                           ‫أقصى الحدود والغايات وأبلغها تصوي ًرا وكش ًفا‬
‫والتسلية والانشراح في عالم الطفولة السحري‪ ،‬لكن‬          ‫للمفارقة التي يحياها الحراك العربي بفعل إكراهات‬
‫صورة الغلاف تشي بمدلول مغاير حيث تصور لنا‬                ‫البيئة والطبيعة‪ ،‬وظروف ووضعيات كل بلد عربي‬
 ‫أشلاء مبعثرة لدمى صغيرة وهي ملقاة على أرض‬                ‫على حدى‪ ،‬باعتبار أن هذا الجنس يميل إلى السرد‬
‫َخ ِر َبة‪ ،‬يعلو أديمها التراب والأحجار المتناثرة داخل‬      ‫المشهدي الوامض للحراك الثوري المدمر والمفجع‬

   ‫ركن من أركان أحد المنازل التي يبدو عليها آثار‬               ‫في سوريا‪ ،‬وللتأكد من صحة هذه الفرضية‪،‬‬
  ‫التدمير والقصف‪ ،‬ومن ثم تكسر صورة الغلاف‬               ‫سوف أتناول موضوعة العنف والدمار عند القاص‬
   ‫أفق انتظار القارئ حاملة مدلو ًل مأساو ًّيا أسود‬       ‫السوري حسن جبقجي من خلال البحث في بعض‬
   ‫للعنوان‪ ،‬وبذلك تتناغم الصورة رمز ًّيا مع اللون‬
   ‫الأحمر القاني الذي اصطبغت به أحرف العنوان‬                  ‫المقومات البنائية للأضمومة مثل الشخصيات‬
‫(دمية)‪ ،‬ومع صيغة التنكير‪ ،‬مرسلة إشارات سلبية‬                ‫والأمكنة‪ ،‬وسبر الخصائص الفنية السائدة مثل‬
                                                        ‫رمزية الحلم والمفارقة والحكي المشهدي من منظور‬
     ‫عند عتبة الأضمومة للقارئ من الوهلة الأولى‪.‬‬            ‫وصفي تحليلي‪ ،‬ومتسائ ًل عن مدى نجاح القاص‬
       ‫بعد اجتياز عتبتي العنوان وصورة الغلاف‪،‬‬               ‫في التوليف بين توظيف الخيال ومحاكاة الواقع‬
                                                          ‫الدموي المرير‪ ،‬في إطار إيلاف منسجم ومتجانس‬
    ‫يستوقفنا الإهداء الذي يتشكل من جملة واحدة‬
     ‫تش ُّك ًل مجاز ًّيا من خلال هذه العبارة المجازية‪:‬‬        ‫يحقق للنص السردي جماليته الفنية وفرادته‬
   ‫«إلى من سقى بدمه أرض الوطن»‪ ،‬وهي صورة‬                   ‫التعبيرية‪ ،‬دون أن أغفل البعد الدلالي للأضمومة‬
 ‫مجازية قائمة على الانزياح الدلالي‪ ،‬ذلك أن القاص‬           ‫الذي يرتبط بالتَّأويل العام للنصوص المدروسة‪.‬‬
    ‫اختار لغة ثانية انتقى من خلالها ملفوظات من‬              ‫في البداية ينبغي الإلماح إلى أن الأحداث الدموية‬
  ‫مجالات متنافرة (سقى‪ -‬الأرض‪ -‬بالدم)‪ ،‬ساعيًا‬                ‫المفجعة التي تشهدها سوريا منذ عشر سنوات‬
  ‫إلى التقريب بين عالمين‪ :‬عالم الحرب (الدم) وعالم‬         ‫خلَّفت أث ًرا توليد ًّيا في الأضمومة‪ ،‬فلم يجد القاص‬
   ‫الطبيعة (الأرض)‪ ،‬فولَّد توت ًرا‬                         ‫منا ًّصا من الكتابة باعتبارها وسيلته المثلى للبوح‬
 ‫بين لفظتي الأرض والدم للتعبير‬
‫عن القيمة الرمزية للاستشهاد في‬                                              ‫من جهة‪ ،‬وأداته الفنية لإعادة‬
 ‫سبيل الوطن‪ ،‬مما أكسب الإهداء‬                                                 ‫إنتاج الواقع الدموي المفجع‬
‫دلالة قوية على المستوى الرمزي‪.‬‬
                                                                          ‫والعمل على صياغته من منظور‬
      ‫الشخصيات‬                                                               ‫الذات الساردة‪ ،‬حيث يتداخل‬
                                                                             ‫الواقع بالخيال وتمتزج ذات‬
     ‫على المستوى البنائي‪ ،‬تتوزع‬                                                ‫السارد بالحدث المأساوي‪،‬‬
    ‫الأضمومة إلى واحد وثمانين‬                                                  ‫ومن خلاله تتشكل الرؤية‬
‫قصة قصيرة ج ًّدا‪ ،‬تنتمي جميعها‬                                               ‫السردية عند المبدع لتنكشف‬
    ‫إلى حقل العنف والدمار تارة‬                                             ‫علاقته بذاته من جديد‪ ،‬وبعالم‬
      ‫وحقل الطفولة المدمرة تارة‬                                               ‫الخراب والدمار الذي يحيط‬
                                                                             ‫به من كل جانب‪ ،‬فيتحول في‬
                                                                            ‫جميع نصوص الأضمومة إلى‬

                                                                ‫حسن جبقجي‬
   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29