Page 63 - مجلة ثقافة قانونية عدد المؤتمر
P. 63
وذلك أن الطفرة الرقمية امتدت وتغلغلت لتصل إلى كل ميدان من ميادين الحياة البشرية في الوقت الراهن ،وكان لها آثار
وانعكاسات على الإنسان والعالم من حوله ،فبرزت إشكاليات تستحق الدرس والبحث ،وظهرت تحديات صار لزاما التعاطي معها
بالمنهج العلمي الناجع.
وكانت التحديات المتصلة بالجوانب الشرعية والقانونية من أظهرها وأكثرها إلحا ًحا على قرائح الباحثين.
وقد جاء هذا البحث بعد أن عايشت موضوع الذكاء الاصطناعي ردحا من الزمن ،متأملا في تجليات الظاهرة ،متفكرا في
مآلاتها على الإنسان والمجتمع والقيم الإنسانية ،ملاحظا تباين وجهات نظر المهتمين في تقييم الظاهرة بين مبالغ في شأن الطفرة
الرقمية ،وغير مكترث بها.
وعزمت على ألا أك ِّون موقفًا فقهيا إلا بعد الدرس والبحث والتأني؛ عسى أن يفتح الله تعالى بفتح من عنده للوصول إلى تقييم
منصف ،وحكم سديد ،ومنطق رشيد.
وقد استخدمت أسلوب الدراسة المقارنة بين الشريعة والقانون ،مع الاستعانة بمقاصد الشريعة الإسلامية بوصفها إطارا
نظريا ارتأيت أهمية استخدامه في إنارة مثل هذه الظواهر المستحدثة ذات الأثر البالغ على ما أمر الشرع بحفظه من دين ونفس
وعرض وعقل ومال ...إلخ.
فارتأينا أن هذه المقاصد ينبغي أن تتخذ إطارا منهجيا لدراسة هذه الظاهرة المتنامية التي لو ترك لها العنان بلا رادع لكرت
على مقاصد الشرع بكثير من الإبطال.
فالمنحى الذي ننحو إليه :أن لمقاصد الشريعة الإسلامية وظائف منهجية ينبغي أن تستثمر في المجال البحثي ،ومن ذلك أنها
"تقوم بدور الوصل والتنسيق بين الأحكام الشرعية بعضها وبعض من جهة ،ومن جهة أخرى فإن المقاصد الشرعية تربط بين الأحكام
الشرعية وبين الأهداف الاجتماعية المقصودة من تنزيل الأحكام الشرعية على الواقعات المتجددة ،ومن هنا نلحظ أن المقاصد -مثلا:
فيما يتعلق بنظم الحكم -تشكل الآصرة التي تصل بين الأحكام التشريعية وعلوم الإدارة ،وفيما يتصل بأحكام المعاملات فإن المقاصد
تشكل الآصرة لها مع علوم الأخلاق والمجتمع ،كما أن المقاصد تجد مجالها الفسيح في نطاق السياسات الشرعية".
يقول العلامة علال الفاسي" :وإنما ننظر في مقاصد الشريعة ،ونرجع إلى السياسة الشرعية ،باحثين عن طريق التفكير
والنظر في الأحكام وإلحاق الأشباه بالنظائر".
ومما يزيد من أهمية استحضار الأبعاد المقاصدية في هذا المقام :أنا نجد عجز القوانين بمفردها عن مجاراة هذه الطفرة
المتسارعة بمتوالية هندسية ،فارتأينا أن فائدة البحث الشرعي هي محاولة علاج قصور المنظورات القانونية عن استيعاب حركة
التطور عن طريق استلهام مكنات من داخل الفقه الإسلامي الوسيع.
وتأتي الدراسة على تمهيد ومبحثين وخاتمة ،على النحو الآتي:
المبحث الأول :الذكاء الاصطناعي والسلم الاجتماعي.
المبحث الثاني :التنظيم القانوني للذكاء الاصطناعي بين الشخصية والمسؤولية.
الإطار القانوني للذكاء الاصطناعي
ـــــــــــــــــــــــــ
هبة الحسيني
أصبح الذكا ُء الاصطناع ُّي يؤدي دو ًرا أساس ًيا في حياتِنا اليومية ،بد ًءا من تشخي ِص الأمرا ِض بدقّة ،مرو ًرا بتحلي ِل البيانا ِت الاقتصادية،
وتسهي ِل العملي ِة التعليمية ،وصو ًلا إلى المساعد ِة في اتخا ِذ القرارا ِت القضائية.
وتهدف هذه الورقة إلى استعراض ملامح الإطار القانوني للذكاء الاصطناعي ،والتحديات التي يواجهها ،والفرص التي يتيحها،
وذلك في سبيل تحقيق تواز ٍن بين التطور التكنولوجي وحماية الحقوق الأساسية للأفراد.
الإطار المفاهيمي للذكاء الاصطناعي:
هو فرع من فروع علوم الحاسوب يهتم بتطوير أنظمة وبرامج حاسوبية قادرة على محاكاة القدرات البشرية مثل :الفهم ،والتعلم،
واتخاذ القرارات ،وتهدف هذه الأنظمة إلى تنفيذ مهام تتطلب عادةً ذكا ًء بشريًا ،مثل التع ّرف على الصوت والصورة ،وفهم اللغة ،
وتحليل البيانات ،والتصرف في بيئات معقدة.
وله تطبيقات كثيرة ومتنوعة ،وتشمل:
مجلة ثقافة قانونية -عدد خاص بمؤتمر القانون والذكاء الاصطناعي | 63Page