Page 135 - merit 38 feb 2022
P. 135

‫‪133‬‬        ‫تجديد الخطاب‬

‫علي زيعور‬  ‫علي سامي النشار‬                                      ‫فاطمة طحطح‬           ‫نفيًا أو اقتلا ًعا أو انفصا ًل‪ :‬قدر‬
                                                                                    ‫الإقامة في غير مكان واحد كانت‬
           ‫الهند مشركون يعبدون كل شيء‬             ‫تأسره البينات فلحق بالمشرق‪،‬‬      ‫تمليه المنافسات ودسائس الفقهاء‬
                 ‫حتى النبات والحيوان»(‪.)3‬‬         ‫ومر في طريقه بمصر فتابعوه‬          ‫وسخط الحكام‪ ،‬لنهتبل الفرصة‬
                                                ‫محرضين إلى أن استقر به المقام‬      ‫ولنرافق متصوفينا في تناقلاتهم‪/‬‬
           ‫رحيل في رحيل‪ ،‬ذلك هو قدر ابن‬
            ‫سبعين الذي تم التضييق عليه‪،‬‬                             ‫في مكة»(‪.)2‬‬            ‫رحلاتهم المادية والرمزية‬
            ‫ولسنا ندري إن كان انتحر كما‬              ‫غير أن حال ابن سبعين في‬                            ‫(الروحية)‪.‬‬
             ‫تذهب إلى ذلك معظم الروايات‪،‬‬         ‫مكة لم يكن أحسن من حاله في‬
            ‫أم أن المنية وافته بشكل طبيعي‪،‬‬       ‫الأندلس أو المغرب أو مصر‪ ،‬إذ‬      ‫ولتكن البداية مع الحق بن سبعين‬
           ‫أما تلميذ ابن سبعين أبو الحسن‬          ‫إن جماعة الفقهاء تألبت ضده‬             ‫أحد زعماء الطائفة الشوذية‬
               ‫الششتري فالظاهر أن مسار‬             ‫وناصبته العداء مما دفعه إلى‬
            ‫رحلته لم يخضع لهجوم الفقهاء‬         ‫التفكير في الهجرة إلى بلاد الهند‪،‬‬     ‫في الأندلس‪ ،‬لننصت إلى محمد‬
           ‫وتعنيفهم كما هو الحال بالنسبة‬           ‫ذلك ما يطلعنا عليه شاهد من‬      ‫مفتاح وهو يصور شريط تنقلاته‬
            ‫لأستاذه‪ ،‬وإن كان قد صحبه في‬             ‫الفقهاء‪« :‬فإن قول الاتحادية‬
                                                 ‫(ومنهم ابن سبعين) يجمع كل‬            ‫عبر الأمطار‪ ،‬بين الأمكنة وعبر‬
           ‫الكثير من تنقلاته‪ ،‬ثم قام منفر ًدا‬   ‫شرك في العالم‪ ،‬وهم لا يوحدون‬             ‫المسافات‪ ،‬يقول‪« :‬وقد حتم‬
             ‫برحلات خاصة مع جماعة من‬                  ‫الله سبحانه وتعالى‪ ،‬وإنما‬
                                               ‫يوحدون القدر المشترك بينه وبين‬         ‫هذا الهجوم [هجوم الفقهاء] أن‬
           ‫مريديه‪ ،‬وربما كان هذا التساهل‬         ‫المخلوقات‪ ،‬فهم بربهم يعدلون‪،‬‬         ‫يهاجر زعماء الطائفة الشوذية‬
              ‫معه يعزى إلى كونه ‪-‬بحسب‬           ‫ولهذا حدث الثقة أن ابن سبعين‬       ‫من الأندلس إلى بلاد أخرى لنشر‬
                ‫المقري‪ -‬أقرب إلى التصوف‬         ‫كان يريد الذهاب إلى الهند‪ ،‬وقال‬        ‫مذهبهم والعيش في أمان بين‬
             ‫السني منه إلى تصوف الوحدة‬            ‫إن أرض الإسلام لا تسعه لأن‬       ‫تلامذتهم‪ ،‬ولكن هيهات‪ ،‬فقد كانت‬
                     ‫الذي يمثله أستاذه(‪.)4‬‬                                           ‫تسبقهم شهرتهم‪ .‬فابن سبعين‬
              ‫وإذا كان من الصعوبة بمكان‬
                                                                                         ‫قبل أن يفارق الأندلس سنة‬
                                                                                      ‫‪640‬هـ كان قد اشتهر بتآليفه‬
                                                                                      ‫ومنها «بد العارف» و»الرسالة‬
                                                                                     ‫الفقيرية»‪ ،‬وهكذا ما كاد يستقر‬
                                                                                      ‫في سبتة ويجمع تلامذته حوله‬

                                                                                        ‫وينتشر ذكره ويتزوج امرأة‬
                                                                                    ‫موسرة أقامت له زاوية‪ ،‬ويتصل‬

                                                                                        ‫بالسلطة ويجيب عن المسائل‬
                                                                                     ‫العقلية‪ ،‬إلا وبدأ الفقهاء يكيدون‬
                                                                                   ‫له متهمين إياه بالتفلسف وستره‬

                                                                                          ‫بالتصوف‪ ،‬فاستجاب ابن‬
                                                                                      ‫خلاص إلى وشايتهم فشد ابن‬
                                                                                    ‫سبعين رحاله إلى بجاية فاجتمع‬
                                                                                     ‫عليه خلق الناس ليستفيدوا منه‬
                                                                                   ‫ويقتدوا به‪ ،‬ثم ما لبث أن استأنف‬
                                                                                       ‫مسيره صوب تونس فاستقر‬
                                                                                        ‫فيها فترة‪ ،‬فتصدى له الفقيه‬
                                                                                   ‫السكوني واتهمه بالزندقة «فتنمر‬
                                                                                    ‫له المشيخة من أهل الفتيا وحملة‬
                                                                                   ‫السنة وسخطوا حالته وخشي أن‬
   130   131   132   133   134   135   136   137   138   139   140