Page 140 - merit 38 feb 2022
P. 140

‫العـدد ‪38‬‬                           ‫‪138‬‬

                                      ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

 ‫يكتب تاريخ الذات فيما هو يرتاد‬        ‫المنزلة التي وصل إليها من العلم‬       ‫أبواب يقدم لنا شخصية رسول‬
   ‫جغرافية الروح ليضع اليد على‬           ‫والكشف فرضت وضعه تحت‬              ‫التوفيق الذي يحضرالسالك بدنيًّا‬
     ‫تلاوين اغتراب روحي‪ ،‬جعل‬
     ‫الصوفي‪ /‬الوالي ينفصل عن‬           ‫محك السؤال والمسألة ليختبر في‬         ‫وعمليًّا وعقائد ًّيا لخوض تجربة‬
     ‫تاريخه الفعلي ليتحد بالمطلق‬                 ‫الإشارات النبوية(‪.)25‬‬      ‫المعراج‪ ،‬كما يضطلع بمرافقته في‬
   ‫الإلهي‪ ،‬حيث تنمحي تناقضات‬
  ‫الواقع وإكراهاته‪ ،‬بذا نفهم كون‬        ‫قد نتساءل أخي ًرا عما جناه ابن‬        ‫السموات السبع‪ ،‬أما في القسم‬
  ‫«الولاية» هي حرفيًّا القرب‪ ،‬لكن‬      ‫عربي من رحلته هاته فى الأكوان‬       ‫الثاني فيروي قصته في السماوات‬
    ‫هذا القرب مزدوج‪ :‬القرب من‬
    ‫الله بحيث لا يكون الوالي وليًّا‬        ‫العلية‪ ،‬لنجد الجواب لديه في‬         ‫السبع حيث كان يلتقي في كل‬
                                          ‫مكان آخر من فتوحاته المكية‪،‬‬       ‫سماء سر روحانية أحد الأنبياء‪،‬‬
‫بالكامل إلا إذا كان قريبًا أي ًضا من‬      ‫حيث يثبت أنه انتهى به الأمر‬         ‫وحاصل هذه اللقاءات استزادة‬
 ‫الخلق‪ .‬ابن عربي يماهي الإنسان‬             ‫إلى سدرة المنتهى‪ ،‬وكانت له‬       ‫السالك في العلم وتنعمه بالتعيين‬
                                       ‫البشرى بأنه «محمدي المقام من‬
    ‫الكامل بالشجرة التي «أصلها‬          ‫ورثة جمعية محمد (ص)‪ .‬فإنه‬                ‫الولائي والسيادة‪ ،‬وإضافة‬
 ‫ثابت وفرعها في السماء» (القرآن‬        ‫صلى الله عليه وسلم آخر مرسل‬           ‫السيادة للولاية (سيد الأولياء)‪،‬‬
 ‫‪ .)24 :14‬إن الولي بما هو علوي‬             ‫وآخر من إليه تنزل‪ ،‬أتاه الله‬
                                         ‫جوامع الكلم‪ ،‬وخصه بست لم‬                ‫إضافة إلى تعرفه على الغاية‬
    ‫ودنيوي في الآن نفسه‪ ،‬يصل‬           ‫يخص بها رسول أمة من الأمم‪،‬‬              ‫من المعراج الصوفي‪ ،‬وكذا على‬
    ‫الأعلى بالأسفل‪ ،‬الحق بالخلق‬        ‫فعم برسالته لعموم ست جهاته‪،‬‬          ‫مقام محمد صلى الله عليه وسلم‬
 ‫تما ًما كالحقيقة المحمدية التي هو‬        ‫فمن أي جهة جئت لم تجد إلا‬
    ‫وارثها‪ .‬إنه برزخ بين بحرين‪.‬‬        ‫نور محمد ينفهق عليك‪ ،‬فما أخذ‬               ‫وفضله على سائر الأنبياء‪.‬‬
   ‫وإذا كان ضامنًا للنظام الكوني‬          ‫أحد إلا منه‪ ،‬ولا أخبر رسول‬         ‫بعد السبع الطباق يصل السالك‬
  ‫وراعيًا له‪ ،‬وبالتالي أداة للرعاية‬      ‫إلا عنه‪ ،‬فعندما حصل لي ذلك‪:‬‬       ‫إلى سدرة المنتهى فيترقى إلى الملإ‬
 ‫الإلهية‪ ،‬فإن وظيفته كيفما كانت‬           ‫قلت‪ :‬حسبي حسبي‪ ..‬قد ملأ‬
 ‫رتبته في السلم المساري هي بد ًءا‬     ‫أركاني فما وسعني مكاني وأزال‬             ‫الأعلى بعد أن يفد على حضرة‬
    ‫أداة الرحمة التي «وسعت كل‬          ‫عني به إمكاني‪ ،‬فحصلت في هذا‬             ‫الكرسي حيث قطب الشريعة‪،‬‬
     ‫شيء» (قرآن ‪.)27(»)156 :7‬‬             ‫الإسراء معاني الأسماء كلها‪،‬‬           ‫الذي سيزود السالك بوصية‬
     ‫ملاك الأمر إذن أن رحلة ابن‬          ‫فرأيتها ترجع إلى مسمى واحد‬        ‫جامعة لكل الوصايا التي عكستها‬
   ‫عربي الروحية جاءت لتتجاوز‬            ‫وعين واحدة‪ ،‬فكان ذلك المسمى‬          ‫قصص الأنبياء في حياتهم‪ .‬بعد‬
     ‫الانحراف الذي يمثله الواقع‬         ‫مشهودي وتلك العين وجودي‪،‬‬             ‫كل هذا المطاف يستكمل السالك‬
  ‫بصراعاته‪ ،‬سلطاته‪ ،‬وتناقضاته‬          ‫فما كانت رحلتي إلا ف َّي‪ ،‬ودلالتي‬     ‫تعليمه وترقيه من خلال ولوجه‬
 ‫ومن ثمة فلا محيد لنا من اعتبار‬                                             ‫الحضرات الخمس‪ :‬قاب قوسين‬
  ‫هذه الرحلة عتبة أساسية تنقلنا‬                           ‫إلا عليَّ»(‪.)26‬‬
   ‫من الاغتراب في بعده المكاني‪/‬‬                                                  ‫أو أدنى اللوح الأعلى الرياح‬
  ‫الجغرافي‪ ،‬إلى الاغتراب في بعده‬                       ‫خاتمة‪:‬‬                    ‫وصلصلة الجرس وأوحى‪.‬‬
  ‫الوجودي المعرفي‪ ،‬ولا جرم أنها‬                                                ‫وبالوصول إلى هذه الحضرة‬
    ‫كانت بالفعل حلقة وصل بين‬                  ‫الحمد لله الذي تتم بنعمه‬           ‫الأخيرة يتم تعريف السالك‬
                                                          ‫الصالحات‪..‬‬           ‫بنفسه‪ ،‬أي بالإنسان ومكانته‬
              ‫النمطين المتكاملين‬                                               ‫في الكون [مناجاة التشريف]‪،‬‬
                                      ‫هكذا إذن حملنا معه الشيخ الأكبر‬       ‫وبنعم الله عز وجل على الإنسان‬
                                          ‫ومعه الصوفيون الأندلسيون‬           ‫السالك [مناجاة المنة]‪ ،‬وبأسرار‬
                                                                            ‫مبادئ السور‪ ،‬وبعلو مقام محمد‬
                                       ‫على أجنحة الصحبة وعلى هجعة‬          ‫(ص) على كل مقام [مناجاة الدرة‬
                                         ‫من الحواس في سفر إسراري‪،‬‬
                                                                                                 ‫البيضاء]‪.‬‬
                                                                               ‫أما القسم الأخير فيفرده ابن‬
                                                                            ‫عربي لامتحان السالك‪ ،‬بحيث إن‬
   135   136   137   138   139   140   141   142   143   144   145