Page 21 - merit 38 feb 2022
P. 21

‫‪19‬‬                ‫إبداع ومبدعون‬

                  ‫رؤى نقدية‬

‫ناصر الدين الأسد‬                 ‫مرجليوث‬          ‫يري فاجنر أن القصيدة القديمة ‪-‬وخاصة الرثاء‪-‬‬
                                                 ‫كان بها إرهاصات لاستيعاب مادة خارجية للقص‪،‬‬
   ‫إلى الحيوانات‪ ،‬فقد شعر معها بمشاركة المصير‬
‫والإحساس نفسه نحو الغول والجن حيث سكنهم‬                 ‫بالإضافة إلى الفخر والهجاء‪ ،‬لكنه يعتب على‬
 ‫الصحراء‪ ،‬ومن حيث الشكل يرى فاجنر أن أغلب‬           ‫الشعراء أنهم لم يكونوا قادرين بشكل كامل على‬
 ‫قصائد الصعاليك أحادية الموضوع‪ ،‬تغيب القافية‬       ‫بناء قصصهم‪ ،‬فالمعلومات التي تقدم في القصيدة‬
                                                 ‫ليست مسلسلة أو كاملة‪ ،‬ويستشهد على رأيه بعدد‬
                    ‫المصرعة عن بيتها الأول(‪.)32‬‬
‫ثم ينتقل فاجنر للحديث عن قصائد الرثاء‪ /‬المراثي‬                                      ‫من القصائد!‬
                                                    ‫فهل مطلوب من الشعر أن يكون وثيقة تاريخية‬
 ‫مرد ًدا رأي جولد تسيهر أنه بدأ بمنطوقات سجع‬
   ‫موجزة تطورت إلى الرجز‪ ،‬ثم استخدمت أوزا ًنا‬          ‫تدلل على أيام العرب القدماء؟ أظن أن الإجابة‬
 ‫أخرى‪ ،‬وبدأ بمقطوعة تطورت إلى قصيدة أحادية‬                                               ‫بالنفي‪.‬‬

‫الغرض‪ ،‬وانعكس الغرض على المضمون‪ ،‬فلم تكتف‬        ‫يري فاجنر أن الحكي والقص زاد في الشعر القديم‬
 ‫بالفخر بالصفات الحسنة إنما تضمنت أي ًضا نفي‬          ‫في العصر الأموي بشكل خاص‪ ،‬وعلى يد عمر‬
     ‫كل قبيح عنه‪ ،‬وكثرت في قوله الشاعرات مثل‬         ‫بن أبى ربيعة‪ ،‬وأن الحوار في القصيدة القديمة‬
       ‫الخنساء‪ ،‬وازدهر على يد الشعراء الهذليين‪.‬‬       ‫حظي بازدهار أي ًضا في العصر الأموي‪ ،‬وظهر‬
   ‫ويري فاجنر أن شعر الرثاء قد اتسع في فترات‬
    ‫متأخرة ليشمل الشعر الديني للشيعة‪ ،‬ومرثية‬      ‫جليًّا في قصائد عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬ويعرض لرأي‬
                        ‫الخليفة عثمان بن عفان‪.‬‬       ‫فان جيلدر الذي يري في الحوار تفسي ًرا نفسيًّا‪،‬‬
    ‫تعامل فاجنر مع الغرضين بوصفهما خارجين‬             ‫فالشاعر دو ًما يقيم حوا ًرا مع ذاته يستحضر‬
  ‫عن الأعراف التي يرى أن الشعراء أجبروا عليها‬      ‫فيه المحبوبة أو اللائمة أو الصاحبين أو الأطلال‪.‬‬
‫فمارسوها بغير إحساس حقيقي‪ ،‬ملتزمين النمطية‬          ‫والغريب أن فاجنر ينتصر دو ًما للعصر الأموي‬
          ‫التي يراها معهودة في القصيدة القديمة‬         ‫ويركز استشهاداته عليه وينطلق منه ليحاكم‬
                                                                               ‫القصيدة الجاهلية!‬

                                                                  ‫‪-5‬‬

                                                       ‫أفرد فاجنر فصلين كاملين للحديث عن شعر‬
                                                      ‫الصعاليك وشعر الرثاء بوصفهما خرو ًجا على‬
                                                 ‫التقاليد النمطية المتبعة ‪-‬على حد وصفه‪ ،-‬فالشعراء‬
                                                      ‫الصعاليك يشغلون موق ًعا خا ًّصا بين الشعراء‬
                                                     ‫القدامي بسبب المكانة الاجتماعية التي شغلوها‬
                                                      ‫نتيجة لاصطدامهم بقيبلتهم‪ ،‬فاستلزم موقفهم‬
                                                       ‫زحرحة معينة ‪-‬على حد تعبير فاجنر‪ -‬للقيم‬
                                                  ‫الأخلاقية التي امتدحوها في الفخر‪ ،‬بل المديح نادر‬
                                                      ‫لديهم كما يري‪ ،‬وبناء على ذلك يتسم شعرهم‬
                                                   ‫بخصوصية التجربة‪ ،‬فانفصالهم عن القبيلة أدى‬
                                                     ‫إلى تراجع الفخر بالقبيلة‪ ،‬وصار الفخر بالذات‬
                                                    ‫هو الموضوع الأول في شعر الصعاليك‪ ،‬والتأكيد‬
                                                     ‫على انفرادها والاستعداد لتحمل العوز من أجل‬
                                                  ‫الاستقلال‪ ،‬ونتج عن ذلك تجنب المجتمع عقد صلة‬
                                                   ‫به‪ ،‬فيتجه الشاعر المطرود من الجماعة الإنسانية‬
   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26