Page 20 - merit 38 feb 2022
P. 20

‫العـدد ‪38‬‬   ‫‪18‬‬

                                                      ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

‫أصليًّا انطلا ًقا من الظروف المجتمعية التي لا تسمح‬        ‫ثم ينتقل فاجنر إلى طرح سؤال آخر عن خلفية‬
    ‫بذلك‪ ،‬وقد وصل الأمر بفاجنر أنه قال “العرف‬           ‫المعني الظاهر السطحي للقصائد‪ ،‬وهل يكمن فيها‬
   ‫أجبر الشاعر على أن يصف الأشياء على نحو ما‬             ‫تشكيلات شعرية لطقوس أو أساطير أو خبرات‬
    ‫تطلبت‪ ..‬فوجب عليه إبداء حزنه على رؤية آثار‬           ‫عامة بالحياة الإنسانية أو حياة البدو‪ ،‬ويرى أن‬

 ‫الحبيبة‪ ..‬وأنه لم ُيقدر الممدوح لصفات فيه بل عن‬           ‫البنية العميقة للأدب القديم لم تحظ بدراسات‬
    ‫طريق استخدام صفات ثابتة بوصفه مثا ًل(‪،)30‬‬           ‫كافية‪ ،‬وأغلب الدراسات فيها أجريت على القصائد‬
   ‫ثم تخير رأ ًيا يعضده في أن الشعر العربي يميل‬         ‫ذاتها مثل ملعقة امرئ القيس ومعلقة لبيد‪ ،‬ويعمم‬
                                                        ‫قوله ليشمل الباحثين العرب والمستشرقين أيضا!‬
  ‫إلى تقديم أشخاص غير أحياء‪ ،‬فأورد رأي جارثيا‬
 ‫جوميز في عدم صدق الشعر العربي الذي قال عنه‬                 ‫ويفصل القول في قراءة كمال أبو ديب ومولر‬
  ‫النقاد العرب “الكذب” في مقولتهم “أعذب الشعر‬             ‫وهاموري وستتكيفتش وتارتلر وهايدر للأدب‬
                                                         ‫القديم‪ ،‬وعلى الرغم من كونها عينة عشوائية غير‬
   ‫أكذبه”‪ ،‬ثم يعود ليذكر لنا أن هذا الكذب لم ينتج‬     ‫ممثلة ‪-‬بشكل كاف‪ -‬للدراسات التي اهتمت بالأدب‬
   ‫عن نشاط خيالي‪ ،‬ولكنه كان ولي ًدا لرغبة الشاعر‬
 ‫في تكرار أنماط سابقة يجب عليه استخدامها‪ ،‬وإن‬                ‫القديم شر ًقا وغر ًبا‪ ،‬انطلق مكو ًنا حك ًما عا ًّما‬
   ‫لم تتطابق مع الحقيقة‪ ،‬فتظاهروا بخبرات تتلائم‬           ‫‪-‬كعادته‪ -‬معب ًرا عن ذلك بقوله إنها غير مقنعة‬
    ‫مع أعراف المجتمع‪ ،‬ولا أدري سر تكرار سؤاله‬            ‫بالنسبة له‪“ :‬ولا يمكن أن تزال البقية الباقية من‬
‫عن مدى تعبير الشاعر عن أحاسيس حقيقة واقعية‬            ‫التجزيء التي لا تزال ملازمة للشعر العربي القديم‬
  ‫من عدمها‪ ،‬فمن البديهي عدم مطابقة الفن عمو ًما‬             ‫بأن يدسها المرء في سترة الاضطرار الخاصة‬
‫للواقع‪ ،‬فما بالنا بالشعر‪ ،‬وانطلا ًقا من إيمان فاجنر‬   ‫بأفكار الوحدة العضوية أو الأساطير والطقوس(‪.)28‬‬
‫بأن الشاعر يطبق أعرا ًفا واقعية على قصيدته يختتم‬        ‫من وجهة نظري إنه الرفض المطلق لفكرة الوحدة‬
  ‫قوله بعبارة عامة “كان البيت الأول أكلاشي ًها في‬     ‫العضوية في القصيدة القديمة‪ ،‬وقد ظهر ذلك بجلاء‬
   ‫الشعر العربي القديم”‪ ،‬وأراه حك ًما جائ ًرا يفتقد‬    ‫في مناقشاته للآراء السابقة‪ ،‬ولمقالة فان جيلدر عن‬
   ‫للنظرة العميقة للمقدمة الطللية للقصيدة القديمة‬
  ‫التي تحتوي على شفرات متعددة لقراءة القصيدة‬                   ‫الوحدة العضوية في القصيدة القديمة(‪.)29‬‬
                                                        ‫ينتقل فاجنر من مسلماته هذه إلى مناقشة الواقع‬
                                        ‫نفسها‪.‬‬            ‫والخيال في الشعر القديم‪ ،‬وقبل المناقشة يصدر‬
       ‫ويعرج فاجنر على محاولات تصنيف الشعر‬
‫العربي القديم تحت مصطلحات غربية مثل‪ :‬الغنائي‬               ‫حك ًما عا ًّما في بداية المناقشة قائ ًل‪ :‬يعد الشعر‬
    ‫والملحمي والدرامي‪ ،‬ويرى أن الشعر العربي لا‬          ‫العربي واقعيًّا بشكل عام‪ ،‬ثم يعود مستدر ًكا أنها‬
  ‫يخضع لأي تصنيف منهم إلى أبعد الحدود‪ ،‬فهي‬              ‫قضية خلافية من وجهة نظر بعض لباحثين‪ ،‬وأن‬
     ‫مصطلحات مقترنة تاريخيًّا بنشأتها في الأدب‬
   ‫الأوروبي‪ ،‬وأن من اعتبروا الشعر العربي غنائيًّا‬          ‫سبب الخلاف نابع حول مفهوم كلمة الخيال‪.‬‬
   ‫مثل‪ :‬ليال وبروينلش برروا ذلك بسبب خاصية‬               ‫ويعود مرة أخري ليدلل على وجهة نظره واص ًفا‬
     ‫الأنا فيه‪ ،‬وفي المقابل نرى ريناتة يعقوبي تنكر‬
   ‫عليه صفة الغنائية إنكا ًرا تا ًّم‪ ،‬فمن وجهة نظرها‬        ‫الشعر العربي بأنه يركز على ما يدرك حسيًّا‪،‬‬
‫أن الشاعر العربي القديم لم يفتقد أحوا ًل أو تجرفه‬        ‫فالشاعر لم يقدم جدي ًدا إلا من خلال التفاصيل‪،‬‬

                                      ‫أحاسيس!‬               ‫واص ًفا أحداث صارت عرفية بالقوة‪ ،‬تنقصها‬
  ‫والقصيدة القديمة من وجهة نظرها ملحمية لأنها‬                                         ‫التفصيلات فقط!‬

    ‫تصور أحدا ًثا أو تكون محض وصف‪ ،‬محاولة‬                  ‫ثم يعود مستدر ًكا حكمه أنه لا يقصد الواقعية‬
     ‫استخلاص وسائل الربط الأسلوبي بين أبيات‬            ‫التاريخية‪ ،‬لكن الشاعر يبدع في محيط المسموح له‪،‬‬
                                                      ‫وينطلق ليطابق بعض الصور الموجودة في القصيدة‬
       ‫الوصف الممتدة من خلال التوازي والتكرار‪.‬‬        ‫بشكل حرفي مع الواقع‪ ،‬فيتوقف عند أسماء الأماكن‬

                                                          ‫فيرى أنها قد تكون واقعية‪ ،‬وقد تكون اختيرت‬
                                                        ‫لدواعي الوزن والقافية‪ ،‬وأن اسم الحبيبة لم يكن‬
   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25