Page 15 - merit 38 feb 2022
P. 15

‫‪13‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

  ‫منها‪ :‬وصف المحبوبة بأنها عريقة النسب وتمتلك‬             ‫حاول فيه الباحثون إتقان الدراسات الفيولوجية‬
  ‫ثيا ًبا غالية وحليًّا ثمينة‪ ،‬وعدم حاجتها إلى العمل‪،‬‬         ‫حول الشعر العربي القديم‪ ،‬لتكون تحليلات‬

     ‫فض ًل عن رحلات الصيد المتنوعة‪ ،‬فكل هذا لا‬          ‫المستشرقين أو أحكامهم على بعض القضايا ناجمة‬
  ‫يصدر إلا عن وسط ارستقراطي‪ ،‬فلا يمكننا بأي‬                 ‫عن وعي حقيقي بأسرار العربية‪ ،‬وليستطيعوا‬
‫حال أن نصفه بأنه شعر شعبي‪ ،‬ويفترض أي ًضا أن‬                ‫فهم الشعر العربي القديم دون عزله عن سياقه‬
‫الفرد العادي في القبيلة كان يتماهي معه لأنه يذوب‬
   ‫في القبيلة من الأساس‪ ،‬حتى الشعراء أنفسهم لم‬           ‫الاجتماعي الذي نشأ فيه‪ ،‬ومن هنا أكد فاجنر أن‬
   ‫تظهر فرديتهم لأنهم يمثلون الطبقة الاجتماعية‪،‬‬           ‫الشعر العربي القديم إبداع خالص للعرب البدو‪،‬‬
   ‫فلا وجود لموقف اجتماعي مميز لفردية الشاعر‪،‬‬          ‫وأنه أهم مصدر لحياة العرب القدامى‪ ،‬وإن لم يضم‬

    ‫ويستثني فاجنر من هؤلاء الشعراء الصعاليك‪.‬‬                ‫بين دفتيه حياتهم كاملة‪ ،‬ويبدو أن فاجنر كان‬
     ‫وأري في رأي فاجنر وريناته يعقوبي عمومية‬              ‫يبحث عن التطبيق الكامل لمقولة‪“ :‬الشعر ديوان‬
     ‫شديدة ومبالغة‪ ،‬فكيف نأخد في تأويل الشعر‬
‫بظاهر لفظه أو صوره؟! وكيف نعد ما كان يسجله‬                  ‫العرب”‪ ،‬فهو يأسف لأنه لم يجد تفاصيل عن‬
      ‫الشعراء في قصائدهم مطابق لواقعهم بشكل‬              ‫الحياة الأسرية وتنشئة الأطفال والحياة الزوجية‬
 ‫حرفى؟! إن موافقة فاجنر على آراء ريناته تدلل على‬       ‫الإيجابية‪ ،‬ووجهة نظر المرأة في الحب‪ ،‬وأرى أنه من‬
   ‫عدم فهمه العميق لمضمون الشعر القديم وأخذه‬           ‫الإجحاف التعامل مع النص الشعري بوصفه وثيقة‬
  ‫بظاهر عبارته‪ ،‬وإن أعرب في أكثر من موضع على‬
   ‫أهمية عدم نزعه من سياقه الاجتماعي والثقافي‪،‬‬                                                ‫تاريخية‪.‬‬
     ‫لكننا في الوقت نفسه لا نتخذه وثيقة تاريخية‬             ‫يتوقف فاجنر عند الشاعر ومكانته قدي ًما‪ ،‬وأن‬
                                                          ‫أصل كلمة الشاعر مأخوذ من العارف‪ ،‬فالشاعر‬
                         ‫نفسرها تفسي ًرا حرفيًّا‪.‬‬       ‫يتلقي معرفته مثل الكاهن من خلال إلهام متجاوز‬

                 ‫‪-3‬‬                                          ‫للبشر‪ ،‬فهو متنبىء القبيلة‪ ،‬ومن هنا اكتسب‬
                                                          ‫مكانة مرموقة في قبيلته‪ ،‬فالشاعر يقدم النصائح‬
    ‫يحاول فاجنر أن يتدرج في كتابه من الشكل إلى‬
 ‫المضمون‪ ،‬فيتوقف أمام لغة الشعر القديم وشكله‪،‬‬                ‫والتنبؤات فض ًل عن معرفته بأنساب القبائل‬
   ‫ويري أن التعبيرات التي رويت لنا عن عصر ما‬                                                 ‫وتاريخها‪.‬‬

   ‫قبل الإسلام في شبه الجزيرة العربية ترجع على‬          ‫ثم يناقش رأ ًيا لريناته يعقوبي ترى فيه أن الشعر‬
  ‫نحو مؤكد إلى ألف عام‪ ،‬ثم يختتم عرضه لبعض‬                  ‫العربي القديم في جوهره محافظ‪ ،‬ويخدم إرث‬
   ‫ظواهر العربية الشمالية والعربية الجنوبية بهذه‬           ‫النظام القيمي والمعايير القانونية للارستقراطية‬
    ‫العبارة‪“ :‬ويتناقض التنوع اللغوي الذي تظهره‬
‫النقوش بشكل لافت للنظر مع التوحد النسبي للغة‬              ‫القبلية‪ ،‬ويبدي تأييده لها ويعدد الدلائل على ذلك‬
‫الشعر العربي القديم والقرآن‪ ،‬وبذلك ينشأ السؤال‬

     ‫حول العلاقة بين اللغات المنطوقة ولغة الشعر‬
                                   ‫والقرآن؟(‪.)12‬‬

    ‫ثم يتوقف عند الإعراب ويوضح وجهات النظر‬
‫المختلفة لنشأته‪ ،‬منها أن اللغة المستخدمة في الشعر‬

      ‫القديم والقرآن الكريم مختلفة عن لغة الحياة‬
  ‫اليومية‪ ،‬وأن اللغة اليومية كانت تسقط النهايات‪،‬‬
‫وأن الإعراب نشأ متأخ ًرا‪ ،‬وبعض الآراء التي ذهبت‬
   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20