Page 86 - merit 38 feb 2022
P. 86

‫العـدد ‪38‬‬   ‫‪84‬‬

‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

                                        ‫‪ -‬شاي‬
                                     ‫‪ -‬الفلوس!‬
    ‫راح يعبث في ثقوبه المهترئة مخر ًجا من كل جيب‬
   ‫قطعة معدنية من فئة الجنيه أو نصفه‪ .‬ألقاها في يد‬
                          ‫أنور بذات البراءة قائ ًل‪:‬‬
                              ‫‪ -‬كل ما معي‪ ..‬هه‪.‬‬
    ‫نظر أنور في يأس إلى العملتين‪ .‬قيمتهما دون ثمن‬
      ‫المشروب‪ .‬وضعهما في جيبه بصبر نافد متمت ًما‬
 ‫لنفسه بكلمات غامضة أعتقد أنها كانت استعانة بالله‬
  ‫على الصبر‪ .‬بهدوء أصدر إليه الأوامر الأربعة الآتية‬
                                   ‫بتحديد قاطع‪:‬‬
     ‫‪ -‬أقعد هنا‪ .‬لا تتحرك من مكانك‪ .‬اشرب الشاي‪،‬‬
                                ‫وامش على طول‪.‬‬
 ‫لكثرة ترددي على هذا المقهى قبل الجائحة تبين لي أن‬
 ‫الصبر والصمت هما السمتان الأساسيتان لشخصية‬
     ‫أنور التي تذكرنى ‪-‬ولست أعرف لماذا‪ -‬بالجمل‬
‫العربي ذي السنامين وهو يحرك فكيه مجت ًّرا دهشته‬
‫من البشر‪ .‬لست أدري كيف يمكنه بغير التحلي بهاتين‬
   ‫الصفتين أن يتحمل التعايش اليومي مع زبائن من‬
  ‫بينهم المجاذيب واللصوص والمتسولين والمتشردين‬
 ‫والبلطجية‪ .‬من بينهم أي ًضا من هم مثلي من عباد الله‬
    ‫الهامشيين الذين لا يراهم المجتمع ‪-‬حين يقتضي‬
     ‫الأمر فقط‪ -‬إلا من خلال عين مجهرية ذات قوة‬
                                 ‫تكبيرية عظمي‪.‬‬
   ‫جاء أنور بالصينية وعليها كوب الشاي وبه الملعقة‬
 ‫وبجواره كوب من الماء المثلج‪ .‬أعجبني أنور أن عامله‬
 ‫في مساواة مع أي زبون عادي‪ .‬رحت أرقب صاحبنا‬
‫بطرف عيني وهو يقلب السكر في كوب الشاي بسرعة‬
   ‫شديدة جعلت ما يقرب من ثلث الكوب ينسكب على‬
 ‫الصينية‪ .‬كنت على ثقة من أن ما يحدث في العالم كله‬
  ‫‪-‬مثلما يحدث أمامي الآن‪ -‬لا يعنيني كثي ًرا بقدر ما‬
   ‫يعنيني الخوف من الفيروس القاتل‪ .‬نظر إل َّي فجأة‬
                 ‫ليسألني بنبرة من يعرف الإجابة‪:‬‬
                            ‫‪ -‬الماء يكمل الناقص؟‬
    ‫هززت رأسي مؤي ًدا وقرون استشعاري في ذروة‬
   ‫يقظتها دون أن يتبدد شرودي المرهون برغبتي في‬
  ‫التأمل‪ .‬أضاف الماء في رعونة فامتلأت كوب الشاي‬
    ‫عن آخرها وفاضت من جديد دون أي اهتمام من‬
 ‫جانبه‪ ،‬وكانت مرارتي قد أوشكت يو ًما على الانفجار‬
   81   82   83   84   85   86   87   88   89   90   91