Page 12 - مجلة ثقافة قانونية - العدد الثالث
P. 12

‫رئيس‬
                                                                   ‫التحرير‬

‫لماذا الوعى بالقانون ؟‬

                                                                                                                                 ‫بقلم‪:‬‬

                                                            ‫د‪ .‬خالد القاضى‬

‫تسـعى المجتمعـات المتحضـرة إلـى خلـق وعـى عـام لـدى أفرادهـا مـن خـال نشـر الثقافـات المتعلقـة‬
‫بالجوانـب الصحيـة والبيئيـة والقانونيـة والأمنيـة ومـا شـابه ذلـك ذات الصلـة بمنظومـة المجتمـع والدولة‪،‬‬
‫حيـث أن المجتمـع الواعـى قـادر علـى التصـدى لـكل الهجمـات التـى تسـتهدف كينونتـه وأسسـه التـى‬
‫نشـأ عليهـا‪ ،‬ومـن جزئيـات الوعـى العـام (الوعـى القانونـي) الـذى يحصـن المجتمـع تجـاه خروقـات أفـراده‬

                                                                             ‫لنواميسـه الناشـئة عـن تجاربـه التـى مـ َر بهـا‪.‬‬
‫ومــن هنــا يمكــن القــول أن الوعــى القانونــى إذا مــا أريــد لــه أن يتحقــق وأن ينتشــر فمــن الواجــب علــى‬
‫أفـراد المجتمـع أنفسـهم تحقيـق ذلـك الأمـر‪ ،‬لأن المؤسسـات مهمـا بلـغ بهـا الأمـر مـن تملـك الوسـائل‬
‫والإمكانيـات لا تسـتطيع تحقيـق الهـدف مـا لـم يكـن الفـرد سـاعي ًا إليـه لتعلـق ذلـك الأمـر بالـذات الإنسـانية‬

                                                                                                   ‫والفكـر الـذى يحملـه الفـرد‪.‬‬

‫بالاعتداء على حقوق الآخرين‪ ،‬ومن ذلك يتبين أن التعليم ومحو الأمية‬   ‫ومن السبل التى من الممكن أن نحصن بها مجتمعنا من الجريمة‬
‫هما السبيل الأوفر حظاًفى مسعى الساعين إلى نشر الوعى القانوني‪،‬‬      ‫هو التوسع فى طرح الثقافة القانونية من خلال البرامج الإعلامية‬
‫كما أن التعلم والتعليم من الواجبات التى فرضتها الشريعة الإسلامية‬   ‫المسموعة والمقروءة والمرئية‪ ،‬وقد لوحظ مدى تأثير الصفحات القانونية‬
‫السمحاء‪ ،‬التى احتوت على الدين الحنيف‪ ،‬الذى بدأت أولى بشائره‬        ‫فى رفع مستوى الوعى القانونى لدى المواطن‪ ،‬حيث دأبت صحفنا‬
‫بفعل الأمر (اقـرأ) فجعل ذلك فرضاً على كل مسلم‪.‬ومن ذلك كله‬          ‫اليومية على تخصيص صفحات وزوايا قانونية‪ ،‬وقد ساهم هذا الأمر‬
‫نأمل أن تتضافر جهود مؤسسات الدولة من أجل جعله شعاراً لكل‬           ‫فى إقبال المواطنين المتزايد على قراءة المواضيع المطروحة فيها ومن‬
‫فرد وعائله‪ ،‬وكذلك السعى الحثيث لاستقطاب التلاميذ الذين تركوا‬       ‫ثم العودة إلى المتون القانونية أو المختصين فى الجانب القانونى لمعرفة‬
‫مقاعد الدراسة وتحفيزهم على العودة إلى صفوفهم الدراسية‪ ،‬وعند‬        ‫مراكزهم القانونية‪ ،‬لأن جماهيرية تلك الصحف وأسلوب الطرح المتبع‬
‫ذاك سوف نصل إلى تحقيق هدفنا بوجود وعى قانونى لدى كافة‬              ‫فى عرض المواضيع القانونية‪ ،‬الذى يبتعد عن تعقيد الطرح الأكاديمى‬
‫الأفراد وكذلك نضمن وجود مجتمع واع ومدرك لحقوقه والتزاماته‬          ‫التخصصى ويقترب من عمومية المشكلة وتعلقها بالجانب الحياتى‬
‫ومن ثم سنتمكن حينها من أن نسمع صدى كتابات المختصين فى كافة‬         ‫اليومى للمواطن‪ ،‬وهذا النجاح فى مجال الإعلام المقروء يدعونا إلى‬
‫المجالات لدى عامة الناس وهذا الأمر لا يقف عند حد الوعى القانونى‬    ‫مناشدة الدوائر المعنية للنهوض بمستوى التثقيف والإرشاد القانونى‬
                                                                   ‫فى مجال الإعلام المسموع والمرئي‪ .‬بالإضافة إلى محاولة إيجاد مناهج‬
                    ‫بل يتعداه إلى المجالات الحياتية الأخرى كافة‪.‬‬   ‫تعليمية فى بعض المراحل الدراسية تتعلق بالمعرفة القانونية وبشكل‬
‫ويثور فى هذا الشأن تساؤل مهم مؤداه‪ :‬ما هى الحاجة إلى القانون‬       ‫مبسط حتى يكون الطالب مؤهل لتقبل الالتزامات التى يمليها عليه‬
‫أو إلى القوانين بشكل عام؟ والجواب عن ذلك هو أن الإنسان مدنى‬        ‫القانون النافذ ويؤديها بشكل صحيح ومنسجم مع الشرعية القانونية‪،‬‬
‫بطبعه ولا يستقيم حاله فى حياته إلا بالمعاشرة والاختلاط مع بنى‬      ‫وكذلك يمارس حقوقه التى كفلها القانون بالشكل الذى لا يتقاطع مع‬
‫جنسه‪ ،‬وينتج عن هذا الاختلاط علائق متعددة اجتماعية وثقافية‬
‫وسياسية وغيرها وهذه العلاقات لا يمكن أن تقوم بحال إلا وفق‬                                                        ‫حقوق الآخرين‪.‬‬
‫ضوابط تحكمها‪ ،‬حتى لا يختل توازن هذه الجماعة‪ ،‬وهذه الضوابط‬          ‫والوسيلة الأخرى تتمثل فى محو الأمية القانونية لأننا سنتمكن‬
‫هى النظم والقوانين‪ ،‬فبدون القانون تصبح الأمور فوضى تسير وفق‬        ‫من الوصول إلى ما ننشد من تطور حضارى وتامين وعى قانونى لدى‬
‫الأهواء والرغبات الفردية‪ ،‬وحالة عدم وجود القانون حالة لا يمكن أن‬   ‫كافة أبناء المجتمع‪ ،‬وذلك لأن الفرد الذى لا يقرأ ولا يكتب من الصعب‬
‫يتصور دوامها لأن مجرى السنة الكونية يحتم وجود قانون‪ ،‬ولو افترض‬     ‫عليه أن يفهم حقوقه والتزاماته المدونة فى متون القوانين والقرارات‬
‫وجود حالة الفوضى فلا بد أن يكون الحكم للقوة‪ ،‬فيتحكم الأقوياء‬       ‫والأنظمة إذ إن شواغل الحياة اليومية لا تمكنه من أن يستمع للآخرين‬
‫بالضعفاء‪ ،‬وفق ما يريدون ويشتهون فيكون هناك قانون القوة أو الغابة‪،‬‬  ‫تحت وازع الإنصات والإصغاء من أجل التعلم‪ ،‬لذا يتحتم على كل فرد‬
‫بغض النظر عن كون هذا القانون سليما وموافقا للحق أو بعكس ذلك‪.‬‬       ‫أن يسعى جاهداً لتعليم نفسه ومحو أميته أولاً ومن ثم التحرك على‬
‫ومن هنا يتبين أن القانون ضرورة اجتماعية لا بد منه ليحكم نشاط‬       ‫أفراد مجتمعه وعندها سنصل بأيسر السبل إلى هدفنا المتمثل ببث‬
                                                                   ‫الوعى القانونى لدى عامة الناس‪ ،‬لأن الوعى القانونى يرتبط ارتباطا‬
                                      ‫الأفراد وينظم علاقاتهم‪.‬‬      ‫وثيقا بالهيئة الاجتماعية فإذا الفرد خرق القانون فإن عمله هذا يقترن‬
                                           ‫وللحديث بقية ‪..‬‬

                                                                   ‫يوليو ‪122024‬‬
   7   8   9   10   11   12   13   14   15   16   17