Page 93 - Nn
P. 93

‫‪91‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

  ‫عبثًا‪ ،‬أحاول النوم إلى جانب زوجتي المتعبة جراء‬
   ‫الحمل وعمل البيت‪ .‬لقد صار صالح الطيب الآن‬

     ‫أكثر شب ًها بر ّبان وحيد في مفترق طرق خطير‬
‫وحاسم‪ .‬قد يطيب له في الغد المقام بيننا على سطح‬
‫هذه الأرض‪ ،‬وقد يؤثر الرحيل‪ .‬قالت زوجتي وهي‬
‫تراني أتقلّب طوي ًل هكذا على الفراش يمنة ويسرة‪:‬‬

   ‫«لكن يا عزيزي‪ ،‬غير الانتظار‪ ،‬ما الذي بالوسع‬
                                   ‫فعله هناك»؟‬

  ‫المؤكد أن هذا ما سيحدث بعد الانتظار‪ :‬ستتوقف‬
 ‫غ ًدا الآلات الطبية المساعدة على الحياة‪ .‬سيحقنونه‬
  ‫«بما لا يدعه يتألم»‪ .‬ليبقى الجسد وحده في مقام‬

    ‫القرار‪ :‬الذهاب قد ًما في طريق الموت‪ ،‬أو العودة‬
 ‫إلى الحياة‪ .‬لا لم يعد صالح يمتلك حتى ذلك القدر‬

    ‫الضئيل من إرادة البقاء‪« .‬سنحقنه بما لا يدعه‬
 ‫يتألم»‪ .‬كانت تلك العبارة ترددت في سياق التقرير‬
 ‫الطب ّي القاضي بخيار القتل الرحيم»‪ .‬لا أدري عن‬

   ‫ح ّق إن كنت قد سمعتها هكذا كما جملة منتزعة‬
‫من القاع السحيق للجحيم أم أنني أتخيل؟ وصالح‬

   ‫لا يزال طريح الفراش نفسه‪ ،‬متقلّبًا هكذا ما بين‬
  ‫مصير ومصير‪ ،‬لاحظ ْت زوجتي بدهشة أنني قد‬
 ‫بدأت أتحدث عنه على نحو قد يفهم منه كما لو أن‬
  ‫صالح الطيب قد مات بالفعل‪ .‬كان ذلك في منتهى‬
‫اليأس‪ ،‬أو القنوط‪ .‬كنت ببساطة أشير إليه المرة تلو‬
‫المرة في ثنايا ذلك الحوار الخافت المتتابع عنه‪ ،‬قائ ًل‬

                       ‫بعفوية لا تخلو من أسى‪:‬‬
                        ‫«المرحوم صالح الطيب»!‬
   ‫ذهب ُت إليه‪ ،‬خلال نهاره الأخير بيننا نحن زمرة‬
‫الساعين وراء الرزق‪ ،‬ناشدته في رهبة غرفة العناية‬
    ‫الفائقة باسم أسرته وأصدقائه وق ّرائه وولديه‬
   ‫أن يبقى‪« ،‬حتى تقول كلمتك الأخيرة كاملة غير‬
     ‫منقوصة‪ ،‬يا صالح»‪ .‬لم يكن هناك أحد غيرنا‬

                                       ‫ليسمع‪.‬‬
  ‫كان بوسعي أن أرى عبر زجاج الغرفة ذاك درج‬
   ‫الممرضات في الخارج‪ .‬قلت‪« :‬هل كنت أنت تردد‬

    ‫يا صالح صديقي‪ ،‬قائ ًل‪ :‬تكفي الكتابة كموقف‬
‫ضد الفناء والعدم مبر ًرا للحياة‪ ،‬أو الصمود»؟ ذلك‬
 ‫جوهر ما حكم مسار مناجاتي تلك‪ .‬كان صوتي لا‬
 ‫يزال خافتًا قرب رأسه‪« :‬لقد كن َت أنت تردد كذلك‬
‫يا صالح أن كل شيء هناك يتعلّق بعمليات التحكم‬
   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97   98