Page 32 - Baghdadiat-RightToLeft
P. 32

بغداديات 24 العراق ب  فراكشتاين وطشاري
انا صاحب ذاكرة ممتدة للوراء طويلا، ذاكرة انتقائية متقطعة، تُخزن من كل ذكرى مشهدا او مجرد صورة او مجرد كلمة، وتستحضرها عند الحاجة للذكرى، تستحضرها فتص  الكلمة او الصورة، مفتاحا لبئر أنشل منه الاحداث، كل  فعلت ذلك كل  تردد في رأسي صوت دلو الماء ح  يهوي في البئر ويرتطم بجبهة الماء الساكن. مه  كنت مستعجلا وعطشانا ستتوقف عند س ع هذا الصوت، ستشعر انك ايقظت آلاف الارواح النا ة، ستنتظر الى ان يسكن الصوت ثم تحرك الدلو لتغوص حافته تحت الماء. اعرف كيف انشغل او اتشاغل فأنسى، ولكنني اجهل كيف اتذكر، واجهل كيف جعلت تلك الكلمة او الصورة مفتاحا لهذا البئر، ر ا يعود الامر لقدر  على الاختزال ح  اريد، وعلى الاسهاب ايضا ك  افعل الآن.  كنني اختزال العراق بعد العام 2003 بروايت ، ما لا  كنني تذكره ولا اختزاله او شرحه هو الفترة من دخول العراق للكويت عام
1990 الى سقوطه عام 2003، رغم انني عشت في بغداد السنوات الخمس الاولى من هذه المرحلة.
هذا امر يفسره لي اقتباس من الرواية الاولى وهي "فراكشتاين في بغداد" للروا  العراقي احمد السعداوي، يقول الاقتباس: "العاطفة تُغ  في الذاكرة، وح  تفقد انفعا ًلا يرافقحدثًامعيًنافإنكتفقدجزًءامهً منهذاالحدث".السعداويشاعروروا وكاتبسيناريو،تجدهذهالمهاراتمجسدةبالكاملفيروايتهالتيفازتبعدةجوائز وترجمت الى العديد من اللغات، تجد ذلك مجسدا، في شخصية ام دانيال وهي جالسة في بيتها بحي البتاوين، امام ايقونة مسيحية تناجي ابنائها الذين هربوا من الحرب والتفج ات العمياء واصبحوا بعيدين. شخصية ام دانيال تذكر   شهد حقيقي لعجوز عراقية مسلمة تشعل شمعة امام  ثال السيدة العذراء في احدى كنائس بغداد
وتناشدها ب الحس  مساعدة العراقي .
تقول المرأه العجوز: "يا مريم العذرة ..شوفينا بعينج وشوفي حالنا... كلها تذبح بينا واحنا لا حول ولا قوه....يا مر انة ....ابني اخذوه من حضني مثل ما اخذو منج ضناج ....انتي ام وتعرف  حركَة َك لبي يا مر انة رديلي وليدي دخيل الله ودخيلج.. يامر انه العراق مصلوب ! عليج البو الحسن  ادعيلنا يا مريم ...وف  ضيجة العراق وضيجة ابني .... يا مر انة لو جانت روح ابني تخلص هالاوادم كلها ... هم اقبل، يا مر انة لا تخل  قلب ام ينكسر مثل قلوبنه! سكتت المرأة مطولا ...ثم قرأت الفاتحة مهداة الى )محمد وال محمد , ولعيسى بن مريم ومريم بنت عمران وكل ارواح العراقي " ! امام كل هذا الذبح، يقوم تاجر الانتيكات بتجميع بقايا بشرية من ضحايا الانفجارات ويخيطها على شكل جسد جديد، يسميه "الشسمه"، أي الذى لا اسم له، ويسميه آخرون "فرانكشتاين"، ويقوم هذا الكائن بقتل كل من ساهم في قتل الاصحاب الاصلي  لأجزاء جسده، صانعا بذلك متوالية قتل لا تنتهي. الرواية الثانية هي لانعام كجه جي، وقد اختارت مفردة "طشاري" عنوانا لها، وتحمل المفردة معنى طلقة الصيد )الخرطوش( المليئة بحبات الخردق، وتعني ايضا التبع  بكل اشكاله  ا في ذلك التشتت البشري.
كنت سأجتهد في كتابة ملخص لهذه الرواية، لكنني لن استطيع كتابة شيء افضل م  كتبه الكاتب السوري فايز علام عنها: "الدكتورة "وردية" طبيبة عراقية، مسقط رأسها "بغداد"، وهي مسقط قلبها أيضاً، لكن الحرب وتغ  ُّ  ظروف البلاد تجبرها على الرحيل إلى باريس، بعد أن توزعت عائلتها في كل أقاصي الأرض. "كأن جزاراً تناول ساطوره وحكم على أشلائها أن تتفرق في كل تلك الأماكن. رمى الكبد إلى الش ل الأم   وط ّوح بالرئت  صوب الكاريبي وترك الشراي  طافيةفوقمياهالخليج.أماالقلب،فقدأخذالجزارسكينهالرفيعةالحادة)...(وحّزبهاالقلبرافعاًإياه،باحتراس،منمتكئهب دجلةوالفراتودحرجهتحتبرجإيفل". يضيف الكاتب علام في تلخيصه لرواية طشاري: "في باريس، تستقبلها ابنة أخيها، لتصبح العجوز الث نينية صديقة ابنها "إسكندر"، تح  له عن "العراق" وعن أمنيتها في أن تعود لتدفن في ترابه بعد موتها. يقوم الفتى بإنشاء مقبرة إلكترونية على "كومبيوتره" يجمع فيها شتات الأقارب المتوزع  في كل أنحاء العا . يضع قبوراً للأحياء إلى جوار قبور الأموات، محققاً بذلك حل ً يصعب تحقيقه على أرض الواقع". احداث هذه الرواية تبدأ من منتصف القرن الماضي، حاملة ب  اسطرها وفصولها كل ما مر بالعراق من احداث سياسة واجت عية، وتطورات ثقافية، واقتصادية جعلته قبلة العرب، وتنتهي بكونه طاردا ودافعا لهجرة الملاي  من ابنائه لا سي  الكفاءات منهم. سيظل ما جرى في العراق منذ دخوله الكويت الى سقوطه، حبيسا في احد آبار الذاكرة، لان العاطفة تآمرت على اخفاء وتشف  كل ته المفتاحية، واما مستقبل العراق فقد تفتح بئره ع  مترصدة رسمها طالب في كلية الفنون الجميلة على جدار بناية المطعم التر  في مواجهة المنطقة الخضراء، وكتب عليها اقدر اشوفك، اخافتهم العبارة فهرعوا لمسحها، واما بناية المطعم، فقد اصبحت جبل احد ذات همة ثورية انطلقت لتظل تتجدد.
34


































































































   30   31   32   33   34