Page 35 - Baghdadiat-RightToLeft
P. 35
تكررت هذه الاجواء معي خلال زيارا المتكررة لماليزيا، ولكن دون ذباب، درجة الحرارة هناك بحدود الثلاث صيفا وشتاء، رغم ان الشمس تظل محجوبة بغيوم سرعان ما طر، امطرت مرة وانا في مسبح الفندق، نيت ساعتها لو ان فلسط تصبح بلدا استوائيا، وابرقت وارعدت بشدة ذات ليلة وانا في غرفتي، فسارعت للخروج والس تحت المطر المنهمر حبات كب ة، كب ة جدا، المطر لديهم مزاريب، ومطر بلادنا يشبه )التفتاف( المستخدم لري المزروعات بالتنقيط. طر ساعة او ساعت ، يسيل الماء مدرارا فوق الادراج وينحدر متدافعا ومتقافزا كانه ينبع من ع ماء فوار، ويتفرق عن منتصف الشارع نحو جنباته حيث تبلعه تلك الفتحات فيمضي في طريقه، ينتهي المطر فلا تجد
له أي اثر ، لا برك ولا اوحال ولا قاذورات، لا تجد اثره الا في الهواء الذي اصبح عليلا وطريا، ويشجع على كل شيء.
لا مجال للمقارنة ب البنية التحتية هنا وهناك، ولا مجال للمقارنة ب مشاعر السائرين تحت المطر في كوالالمبور بقامات منتصبة لا يسترها الا شورت قص وتيش ت وقس ت وجه ضحوكة واذرع مفتوحة، والسائرين تحت المطر في بلادنا بوجه عبوس، وقامات منكمشة، يغطيه كوم من الملابس والطواقي واللفحات. ولا مجال للمقارنة ب ما لدينا من حشائش وشج ات، وما لديهم من غابات واشجار، يتعب نظرك وهو يحاول الوصول الى منتهى الاشجار في غاباتهم الكثيفة، تركز على غصن فيتهيأ لك انه
يكبر امام ناظريك، لو ركزت في مزروعاتنا للاحظت انها ايضا تنكمش في محاولة للتأقلم مع شح المياه. .
يتأقلم الناس سريعا، اذا اطلت الاقامة في ماليزيا ستصبح مثلهم، إنهم لا يتعرقون، يس ون اضعاف ما تس ، دون ان تنز منهم قطرة عرق واحدة، اذكر انني شعرت بالبرد هناك عند زيارة مرتفعات جينتنج القريبة جدا من العاصمة، هناك درجة الحرارة على مدار العام لا تزيد عن العشرين درجة مئوية، انه جو مثالي، تس ب الغيوم، تركب التلفريك وتخترقها فتطل على مساحات شاسعة من الاشجار الباسقة، الدنيا هناك لونان فقط شجر اخضر وغيوم بيضاء، وكأن الارض هناك بقيت اما ك تركها رب العزة
في اليوم السادس قبل ان يعتلي العرش.
لا اتذكر امطار بغداد، ومه اجتهدت قد احصل على مقطع او ثلاث من نوبات مطر ليلي، واما موجات الحر فحدث ولا حرج، ساعات الظه ة في صيف بغداد هي ساعات منع تجول طوعي، يقضيها الناس عادة في اخذ قيلولة طويلة، واما من لا يعرفون للنوم نهارا أي سبيل كأمثالي، فانهم سيعانون من حبس منزلي صعب، انهيت قراءة كل الكتب الموجودة لدي، المجلات والصحف العربية لا تصل لبغداد، بث التلفزيون محفوظ عن ظهر قلب، والفضائيات تدخل حيز الوجود العراقي بعد، وكذلك طبعا الانترنت، وكان تهريب الصحون الفضائية جر ة. اذكر ان صديق ّي وسيم وحسام تجرءا على شراء صحن لالتقاط البث الفضا ، من سوق الحرامية، وطبعا بالتهريب، وضعاه على السطح فوق كرسي مكتب دوار، املا في الوصول الى زاوية الميل المطلوبة لالتقاط أي بث، نفلح بعد ساعات طويلة من اللف والتدوير والتمييل، الا في التقاط محطة تركية تبث دعايات تجارية، في اليوم التالي وفي كان احد الشقيق يبحث في سوق الحرامية عن احمد ابو الساتلايت، حضر رجال الامن واكتفوا صادرة الصحن، وعدم فتح قضية تجسس، حمدنا الله كث ا على ذلك. عليك الاكتفاء بالراديو ستبدأ بإذاعة لندن، تنتقل بعدها لصوت امريكا، و ر بإذاعة بغداد لتسمع دراما اذاعية جميلة عنوانها "المجرشة"، وستمر عصرا على اذاعة مونت كارلو، كانت هذه الاذاعة الانيقة الرشيقة وقتها مهوى افئدة ومهبط اس ع كل من يحب الاعلام والفن والج ل، تسمع نص رسائل مراسليها: حسن الكاشف من بغداد، باسم ابو سمية من فلسط ، ومحمد كريشان من تونس، وعادل مالك من لندن، وعبد الله الشهري من الرياض، والمذيع المرحوم
حكمت وهبي، ستختم ساعات منع التجول بس ع صوت الثورة الفلسطينية، وحلقة من برنامج غنى الحادي بصوت يوسف حسون حياكم الله ومرحبا حي الرجال الغا يا حلالي يا مالي ............... يللي سمعتو للندا من صوتنا الحر الام يا حلالي يا مالي. غنى الحادي وقال بيوت، بيوت غناها الحادي ............... س ّدو الدرب من افوت، افوت واقدر بعنادي
يا هلا بك يا هلا، يا هلا بك يا هلا ............... فوق التل تحت التل وب الوادي والوادي ............... ان تسأل عنا تندل وتلقا وتلقى ولادي انتهت ساعات منع التجول، حان موعد اعطاء الاستراحة لأجهزة التكييف، والجلوس الى البلكونة المطلة على مسبح فندق الحمراء، والمقابلة لثلاثة جسور: الجسر المعلق المؤدي الى القصر الجمهوري، وجسر الجادرية المؤدي الى جامعة بغداد وجزيرة الاعراس، وجسر ابو الطابق المؤدي الى حي الدورة. ان تسكن في خاصرة محاطة بثلاثة جسور يعني انك تعيش في شبه جزيرة، ولكن حدود برها محاط اء النهر وليس البحر، وببسات من النخيل بدلا من رمال الشاطئ، درجة الحرارة في هذه المنطقة المس ة بـالجادريةاقلمنبقيةالاحياءبـ5درجات. كنكتابةتاريخبغدادمنخلالجسورهاالتيتربطالرصافةبالكرخ،فمنذتغنىالشاعُرالعبا ّسيعليبنالجهمبعيون العابرات على جسرها الوحيد آنذاك: )عيون المها ب الرصافـة والجسـر... جل الهوى من حيث أدري ولا أدري(، جرى ماء كث في النهر، حتى انه يعد هو ذاته، وسار خلق كث ون فوق الجسور التي تزايد عددها لتص 13 جسرا، ارتفعت رايات وصدحت حناجر بشعارات، وقامت ثورات، وعلقت صور لزع ء، وجاءت الطائرات ذات حرب
فقصت هذه الجسور البريئة، ووضعت الى جانب ركام الطائفية صور لسياسي مرشح لنيل بطولة العا في الفساد وسوء الادارة.
لن تس نهارات الحر البغدادي على ذات المنوال، فقد تنقطع الكهرباء، او يجبرك جدول اع ل سخيف على قضاء مشوار اسخف، تلجأ في نهايته الى مقهى او سين حسنة التبريد، دون كب التفات الى الفيلم الذي تعرضه، اذكر ان سين اطلس في شارع السعدون استمرت لأك من ثلاثة شهور في عرض الفيلم التر ازرق ازرق، لبطلته الحسناء هوليا افشار ، وفيه يغني البطل ابراهيم تاتليس اغنيته الشه ة Mavi Mavi ، واغنية يلا شوف ي ّلا. صديقنا معاوية اسمى السين وقت ذاك اطلس اطلس.
37