Page 64 - Baghdadiat-RightToLeft
P. 64
بغداديات 41 قندونماذايق َشكَر
مات موسى الكاظم، مسموما في عصر الرشيد، فهاجر اولاده ومن لاذ بهم من بغداد الى الهند البعيد وأصبحوا حكاماً ونوابا لولايتي كشم والبنجاب، وحازوا من يومها لقب النواب. قاوموا المستعمر البريطا فقرر نفيهم، وب شتى البلدان خ هم، فاختاروا البحث عن امجاد عفى عليها الزمان في بغداد، اليها نقلوا المقتنيات من ثروات وتحف ومجوهرات، وفيها تناسلوا جيلا بعد جيل فأطل على الدنيا الطفل مظفر عبد المجيد النواب. كانت ولادته عس ة، رمته القابلة الالمانية بعيدا على الفراش ظنا انه ميت، رأى شعاع شمس يتسرب من شقوق الباب فصرخ ورنا نحوه، ومن يومها الى يومنا وهو يصرخ ويرنو للشمس. كان ذاك عام اربعة وثلاث من القرن العشرين، عا ُم تو ِحد
الشيوعي في لجنة لمكافحة المستعمرين والمستثمرين، لجنة اصبحت في بعد الحزب الشيوعي للعراقي ، واليه انتسب الفتى مظفر بعد ح .
في منزل ارستقراطي، ولكن بحي شعبي مطل على النهر ، عاش وحيدا ب 30 غرفة، وسط عائلة لها تاريخ مع النفي منذ ايام العباسي ، في جو موسيقي ا، وعلى وقع مرا كربلائية ترعرعت روحه، فاصبح حزنه لا متناهيا. استدعاه معلمه حامد التكريتي في الصف الثا الابتدا درسة الفيصلية الابتدائية للبن في الكرخ من بغداد للوقوف امام الصف، كان خجولا وانطوائيا، قال له: يا مظفر النواب اكمل هذا الشطر وسادعك تذهب للبيت مبكرا قضينا ليلة في حفل عرس ..... دارى التلميذ خجله واجاب بسرعة ل يتخلص من المأزق : كأنا جالسون في قرص شمس ذهل المعلم واستدعى المدير وبقية المدرس ، واحتفلوا بهذا النابغة الصغ واهدوه كتبا، في الطريق الى البيت كان يقول لنفسه: الشعر سهل. حا قصائد ا ام وارسلها لمدرسيه فلم يصدقوه، كان شعره موزونا دون اد معرفة باوزان الشعر وبالعروض لا ايامها ولا حتى في هذه الايام، كان مظفر النواب يسقط مغشيا عليه ومصابا بالرعاش ك المصروع لشدة وطول ما يقرأ. أفلس الاب بعد ثراء، واصبح الفتى شاعرا ينحاز للفقراء، وذات انقلاب عسكري للقومي فقد وظيفة التدريس واصبح مطاردا للبوليس، الى موسكو دون جواز قرر السفر وفي الاحواز ادركه الخطر. في معتقله سمع سجينا يقرأ اشعاره، يصبه الزهو، لكن حقيقة الحرية تعرت امامه، ومع رفاق الدرب في سجن الحلة حفر النفق، ومن هناك الى دمشق انطلق، ولسان حاله: كنهر يهرب من وسخ البالوعات حزينا احمل من وسخ الدنيا ان النهر يظل لمجراه امينا كان يرى ان الفصحى منحوتة بالصخر م يجعل التعامل معها صعبا، واما العامية فهي ط يسهل تشكيله، وحضارة العراق طينية، ولكنه اجاد بالفصحى ك اجاد بالعامية، وله في كليته ابداعات لا تضاهى، غ ان عاميته وخاصة ح يغنيها بنفسه تسيطر على سامعها حتى ليكاد يحفظها ولو يعرف معانيها. يستطيع العراقيون صناعة القصيدة الجميلة من اي مخلفات كلامية ملقاة على قارعة الطريق، ويستطيعون تلح اي نص حتى لو كان كتاب جغرافيا، ولكن بستان ادبهم العامي اصبح غابة ساحرة بعد النواب. ترك البستان وركض في الغابة باحثا عن القمر ب الغي ت: »آنه يعجبني أد ّور عال َكمر بالغيم.. ما أحب ال َكمر كلّش كَمر« كانت عاميته اقوى من فصحاه، كيف لا وقد انسابت بكل محبة واتساق ك الط والماء، واستقرت مختمرة لتشكل الاهوار، كيف لا، وقد اصطلت بجوع الفقراء وتعب الفلاح وتنهدات العشاق واشواق المنفي وعذابات المناضل في السجون، كانت حزينة ولكن لا تخلو نهاياتها من امل مفرح: »ايام المزبن كضن ، تكضن يأيام اللف« سيذكره البعض كأفضل من يصنع مجداف ولا لك قارب، او كإسفنجة تص البارات ولا تسكر، او كبدوي عن في الهجرات ولا يتزود بقطرة ماء، او كإناء تحت شج ات برية تفيح بدفء مراهقة بدوية، يكتظ حليب اللوز بنهديها، او كخط كوفي يتم صلاة الفجر، او كعلي يتوضأ بالسيف، سيذكره البعض كلاعن كب لأنصاف اللوطي ولأولاد القحبة وسوق التجار ، ولأصحاب الشحن السلبية والاحزاب فارغة البطارية، ومن قتلته الردة لأنه حمل في الداخل ضده.
انا سأذكره فيمن حنى الدهر ظهرها فزاد عزمها وزارت في السجن وليدها لتنهاه عن البراءة من الحزب، وفي الاخت التي انكسر خاطرها لان اخيها اعطى البراءة، سأذكره في كل خصلة شعر تشكل مع الشمس والهواء هلهولة بحر، وفي كل سالف يتموج كنايل هوى جبوري، وفي كل ساق كالج ر محجلة بالشذر، وكل صدر خيل يلمع كمرآة من الحناء، في كل دربونة مشمش، وكل شفة تنقط عشقا على خد من الجوري، وكل حسن يصلح شتلا من الريحان يزرع في الجنة، وفي كل قندون ما ذايق ًش ًكر.
66