Page 85 - Baghdadiat-RightToLeft
P. 85
بغداديات 54
ابو مازن: والغنى تالي العمر يآذينا
اوقات الظه ة في صيف بغداد هي ساعات لمنع التجول شبه الاجباري، خاصة لأمثالي ممن لا يعرفون سبيلا الى قيلولة الظه ة، انتهى المنع وخرجت اس على طول شارع السعدون ميم شطر المقهى المقابل لساحة النصر والذي يحمل اسمها، كلي شوق للجلوس هناك تحت عرائشه على قريولة )كنبة خشبية( وامامي سكملي )كرسي صغ ( عليها استكان شاي. دفعتني اشواقي لاستغلال فرصة انقطاع مرور السيارات لأعبر الشارع من غ )مناطق عبور السابلة(، هكذا يسمي العراقيون مناطق مرور المشاة، اكن وحدي من فعل ذلك، لاحظنا ابو اس عيل -وابو اس عيل هو الاسم الحر لأي شرطي مرور عراقي شاء أم أ - فاعتقلنا جميعا وأوقفنا في غرفة صغ ة داخل مخفر المرور المطل على ساحة التحرير القريبة. بعد نصف ساعة كنا نسبح في عرقنا ونختنق برائحته، صاح احدنا: عيني ابو اس عيل ترى آ مثلك ابو خليل -وابو خليل هي كنية كل
جندي عراقي حتى لو كان اعزبا- يا معود فطسنا من الحر.
سمعه شرطي المرور اللطيف فاحضر صوندة )خرطوم المياه( ورشنا بالماء، وافرج عنا بعد نصف الساعة. ظللت طيلة فترة التوقيف افكر في مئات السن التي سنحتاجها لتحرير فلسط ، والآف السن التي سنحتاجها من اجل نسج وتكريس اسم موحد للفدا الذي سيصبح جنديا او شرطي مرور.
وصلت المقهى غ آبه ببقع الماء والعرق، وفي انتظار استكانة الشاي بدأت بقراءة يافطات المحال التجارية، ازياء بابل، تسجيلات السعدون، فندق الفلوجة، ، طرشي النجف، مطعم ام الربيع ، شربت الحاج مهدي، مشرب الزيزفون،........ صوت ياس خضر يتسرب وئيدا: اعزاز والله اعزاز، اعزاز عدنا اعزاز ....... وشوگهم شوگ الشواطي إِليل دجله مدلل والفراگ بعینهم ....... شوگ الح م الجاي لأهله والعتب بشفافهم ود وحن ....... مدلل احباب گلبي مدلل وفجاة يسيطر الصوت المتسرب وئيدا على الاجواء وهو يغني: عزاز وحق الله عزاز ....... إعزاز عدنه ومن هويناهم هوينه الناس كلهه ومن عشگهم کبرت الدنیا باهلهه ....... وعلى جناح الشوگ طرنا الروح طارت ويه خلها ....... ويا هواهم غيمة وتفيض طرهه ويا وفاهم وردة وتفوح بعطرهه ....... مدلل ويلوگ لاحبا الدلال وشوگهمنسمةجنوب.......وس َ تلأهلالش ل اعرف الآن ان الملحن طالب القره غولي ظل 3 سنوات وعدة اشهر وهو يبحث عن لحن لهذه القصيدة التي كتبها صديقه زامل سعيد فتاح، واعرف الآن ان زامل توفي في حادث س منتصف انينيات القرن الماضي ر ا في ذات الشهر الذي كنت اجلس فيه منتظرا استكانة الشاي في مقهى ساحة النصر بشارع السعدون وسط بغداد، واما طالب فقد توفي قبل 6 سنوات بعد طول معاناة مع المرض.
يتبق من هذا الثالوث الغنا المدهش سوى ياس خضر شافاه الله وعافاه واطال في عمره، سنموت جميعا بلا ريب ولكن غالبيتنا لن تترك ورائها آثارا غنائية خالدة. الرجل الجالس مقابلي كان في ذروة الانشغال بالأغنية حتى لتشعر كأنه الوحيد الذي يسمعها، او كأنها هدية س ء مرسلة له خصيصا، كان جذعه يتحرك كقوس ك ن عازفها، تخيلت يداه تتحركان لتنقر اوتار القانون مرة او لتضرب على الطبلة مرة اخرى، وفجأة قطع عملاق بشري هائل هذا الجو كله، ووجه اقذع الشتائم العراقية للرجل المحتفل
بالاغنية، ولعجبي الشديد فان الرجل يفعل شيئا سوى الابتسام وبكل سرور... - لماذا تضحك؟! - لأنني حكيم ولأنك مخطئ وستعتذر لي بشدة عندما تعلم انني لست الرجل المقصود. وفعلا اعتذر الرجل العملاق بشدة وطبع قبلة على رأس الرجل فقد تب انه ليس هو المقصود. - من اين تأتيك هذه الحكمة؟!
87