Page 91 - Baghdadiat-RightToLeft
P. 91

زاد غنائه شجنا، فاكتشفه احدهم وارسله للاذاعة، كاد يرسب في امتحان الاذاعة بسبب ما وصفوه )بشاعة( وجهه، فقال لهم: استحلفكم بالله م  اجمل؟ انا ولا عوض الدوخي! ضحكوا على رده كث ا وقبلوه. اثارت شهرته الواسعة وقدراته الفذة حسد الآخرين، فنشروا اشاعة خبيثة واتهموه بانه مثلي جنسيا، تهمة   يسلم منها كلكامش وهو يب  صديقه الحبيب انكيدو قبل الميلاد بـ 2500 عام، و  يسلم منها حتى مولانا جلال الدين الرومي وهو يب  صديقه الدرويش شمس التبريزي بعد الميلاد بـ 1200
عام، ورغم نفيه ونفي الاصدقاء وكل من يعرفه لهذه الشائعة الا ان نكات كث ة انتشرت حوله، وسببت له اذى بليغا نفسيا واجت عيا.
ظل يغني ويدفع ضريبة شهرته من سمعته الشخصية، حتى صار رمزا من رموز الغناء الريفي، ومطربا كب ا تسعى الناس في العراق وكافة دول الخليج لحضور حفلاته واقتناء تسجيلاته. اذا شاهدت هذا الرجل وهو يؤدي موالا، ستجده قد وضع خده على كفه، فتحتار من اين يأ  هذا الصوت، وكيف يخرج بهذه القوة والاتقان، في  لا يبذل صاحبه أي جهد يظهر في عضلات وجهه؟!!!
  يكن سعدي الحلي يغني من حنجرته لقد كان يغني من قلبه. الفنان الثا  هو سعدي البيا ، عا  من مصاعب كث ة في طفولته وليس اقلها انه كان كفيف البصر، وعا  في شبابه من تزاحم مدينة الع رة بالعديد من المطرب  والشعراء المبدع  الذين تصعب منافستهم، وعا  في حبه ولكنه ظفر اخ ا  حبوبته فغنى لها في عرسه : تعبت إوياك من زغرك ور  ....... وعلي يشهد رسول الله ور  .. سهرت أهواي بدروبك ور  ....... تجافي إبشوفتك واشح عليه .. ما ان بدأت شهرته  تد الى خارج العراق، حتى نكبه الدهر  وت محبوبته، نعاها قائلا: نحل جسمي بودادك حيل وانشال ....... ودليلي من ونيني إجبال وانشال .. لون أدري بظعنكم رحل وانشال ....... أتبعه وين مايبعد عليه ... ما ان استعاد وعيه وعز ته حتى لبى دعوة لاحياء حفل فني في الموصل، وما ان وصلها حتى جاءه خبر ان بيته في بغداد قد احترق بالكامل فغنى ابوذية تقول: ياهو الشاف حالي أبد مالام ....... عرفني و شاف جرحي كلف مالام .. صرت مثل الطفل بالمهد مالام .. ....... يتيم و عيشته كله ردية...
السعدي الثالث هو سعدي توفيق البغدادي،   يولد كفيفا كزميله البيا ، لقد فقد البصر وهو بعمر الرابعة، دخل معهد المكفوف  ببغداد وتعلم أصول الموسيقى، صار عازفا للناي في استوديو جميل بش ، والذي سمعه يغني مرة فشجعه على الاستمرار في الغناء، حاول ولكنه تعرض للظلم كث اً لأن المسؤول  عن الإذاعة والتلفزيون في ذلك الوقت   يهتموا به، وتأخروا كث ا في الس ح له بالظهور في البرامج الغنائية التي تختص بالغناء الريفي الجنو  وأيضاً المقام العراقي.
احتاج سعدي توفيق البغدادي عدة محاولات ليتغلب على الخجل ورهبة المسارح ولكنه صار صاحب الاداء الاك  هدوء ب  كافة مطر  الغناء الريفي في العراق، واك هم وضوحا في النطق ومخارج الحروف. واحتاج مجهودات خاصة لتمييز نفسه عن زميله البيا  فكلاه  كفيف ويغني ذات اللون، ويتعرض لذات المخادعات والالاعيب من موسيقيي الفرق التي تصاحبهم، وتحاول اثارة التنافس بينه .
السعدي الرابع هو الدكتور والباحث سعدي الحديثي كان وما زال يغني يوميا ولكن لنفسه، ولا يغني النمط الريفي وا ا البدوي، شاء القدر ان يعمل مع الشاعر مظفر النواب خلال عمله  في التدريس فتصادقا في الحياة وترافقا في عضوية الحزب الشيوعي، وتزاملا في ذات الزنزانة في سجن نقرة السل ن سيء الصيت والسمعة. صارا ينظ ن حفلات غنائية لبقية المساج ، ولاحقا قدم مجموعة من الاغا  للتلفزيون والاذاعة لمجرد حرصه على ابراز التراث الفني والاغا  البدوية في منطقته حديثة بالانبار.
دفع ضريبة انت ئه الوطني والحز ، وغنى مع مظفر في اك  من مسرح، وظل المغني الابرز للنمط البدوي. كل ته تطاوع احساسه فيأ  الاداء مشحونا، ومعبرا ومقنعا.
يجلس سعدي الحديثي يوميا للغناء لنفسه وتأمل نواع  المياه المنتشرة بك ة في منطقته، يراقب د ومتها ف اها د ومة امل، ويراجع سن  حياته ف اها د ومة ملل. ويضيف في كل ناعور 24 عودا )قطرا( و36 دلوا، والناس تتشارك في ملكية النواع  ، كل واحد يحصل على عدد من العيدان بحسب مساحة ارضه، ومقابل كل عود هناك عدد مع  من ساعات الري. وقد يكون ليلا او نهارا.
هكذا يعيش المزارعون متعاون  اما الفنان  الجدد فانهم لا يتعاونون انهم يسرقون اغانيه وكل ته ويؤدونها بشكل هابط، خالي من الاحساس. كنا نقول الدهر دولاب،   يخطر ببالنا مرة ان نقول العمر ناعور!
93


































































































   89   90   91   92   93