Page 92 - Baghdadiat-RightToLeft
P. 92

بغداديات 59
يا مطر يا شاشا عبر بنات الباشا
لا احد يستطيع ان يؤكد ان تلك الشجرة في القرنة ش ل البصرة، هي من صنف شجرة سيدنا آدم عليه السلام، سواء تلك التي اكل منها في الجنة، او الثانية التي جلس في ظلها منتظرا مرور حواء التي جاءته  شي من س لانكا، حاملة معها مواصفات كل ما التقته في طريقها من لون وإحساس ورائحة وطعم وصوت.
التقت في طريقها بأفاعي ملساء ناعمة، وديدان تنتج الحرير، وحيوانات ترضع صغارها، واخرى تقاتل لح يتها، وطيور تغرد وتبني الاعشاش، وزهور تنشر العطور، واشجار تفيح برائحة التوابل والبخور، واخرى تنتج الاكاليل والزيوت، سبحت في بح ة هادئة، وشربت من شلال هادر، صعدت جبلا، نزلت واديا، فصارت ما هي عليه الآن، وأورثت بناتها كل ذلك اضافة الى تشقق الكعوب، لأنها كانت  شي حافية القدم .
عجز العل ء عن ادراك عمر هذه الشجرة التي ماتت، وبقيت مغروسة لوحدها في الارض، كتبوا بجانبها على قطعة رخام، إن هذه البقعة المباركة، حيث يلتقي دجلة والفرات، كانت تشرفت بزيارة سيدنا إبراهيم الخليل )عليه السلام( سنة 2000 ق. م. حيث قام وصلى بها وقال: »ستنبت هنا شجرة كشجرة آدم عليه السلام في جنة عدن« . يزورها الناس للتبرك وطلب المغفرة، ورفع الدعاء بالستر والامان والشفاء، وتوسيع الرزق وقضاء الحاجات، ولكن من دون ان يسقطوا عن انفسهم واجب الحج بركنه الاعظم الوقوف على عرفات، حيث التقى آدم وحواء وتعارفا، فالحج عرفة. وك  كان اللقاء على الارض بعد الجنة فاتحة بشرية بدأت  عصية، واستمرت بالشر العاجل والخ  الآجل،
كان التقاء دجلة بالفرات فاتحة حضارات يتعاقب فيها الخ  والشر كالليل والنهار، ويس ان احيانا معا، يدا بيد وكتفا الى كتف.
  تعرف بلاد ما ب  النهرين الراحة ولا الكسل في أي يوم من ايام تاريخها البعيد، لقد ظلت منتجة على الدوام وقلقة باستمرار، كان عليها ان تشتق الابجدية وان تخترع الحرف، وكان على رجالها ونسائها ان يستيقظوا من الفجر ليتعلمو كتابة الادب والملاحم والشرائع، ويبنوا السدود والمعابد و اثيل الآلهة، وان يرفعوا الصلوات طلبا لمساعدة القادة الباحث  عن الخلود، وكان عليهم ب  كل حرب وحرب ان يصنعوا الاسلحة، وان يستقطعوا من ساعات نومهم ما يكفي للغناء والرقص، وهدهدة الاطفال والبكاء
على الراحل .
والبصرة   تأخذ قيلولة كشقيقاتها، كانت تعمل تحت الشمس حتى في آب اللهاب، وكان مائها مالحا، فاحترقت بشرتها وتشققت، وكانت ثغورها مهددة، وعقائدها على طرفي نقيض، فظل اهلها مستيقظون، يهاجمون قوافل العدو وامداداته، ويقفون في وجه حملاته، يخلصون من فتنة الجمل فيأتيهم الحجاج، يطفئون لهيب حرب اموية عباسية، فتبدأ ثورة الزنج على المُلاك، يسقط العباسيون، وتستبدل البصرة حروبهم بحروب مغولية – تترية – صفوية – عث نية – بريطانية. تستقل مع عراقها لتتوالد لديه الانقلابات ولديها المظا ، تص  بوابة شرقية لحرب طاحنة مع ايران ستستمر 8 سنوات، ثم بوابة لغزو الكويت، فارضا لحرب استعادة الكويت، فحربا ب  العراق والعا  لـ
)تحرير العراق(، ثورة وانتفاضة ب  كل حرب وحرب.
ومع ذلك فالبصرة لا تتوقف ولا تغفو ولا تستريح، ولا تسمح للكوفة ولا لبغداد ولا للقاهرة او الاندلس ان تستأثر  درسة في اللغة، او الفقه، وتقدم الفاتح ، والقضاة، والمجتهدين في التفس  قرآنا وحديث، والمناظرين القادرين على إفحام الخصوم، ومن يقدمون العقل على النقل، وتحول متسوليها الى ابطال مقامات حريرية »تحتوي على جد القول وهزله، ورقيق اللفظ وجزله، وغرر البيان ودرره، وملح الأدب ونوادره، توشحها الآيات، ومحاسن الكنايات و الأمثال العربية واللطائف الأدبية، والأحاجي النحوية
والفتاوى اللغوية، والرسائل المبتكرة، والمواعظ المبكية، والأضاحيك الملهية«.
عرفت البصرة طفلا بالاسود والابيض من شاشة التلفزيون الارد ، كان اللبنا  رشيد علامة بفخامة لغته، بعباءته وع مته وكل سطوته، يلعب باقتدار دور ابو زيد السروجي مقابل مروان حداد الذي يلعب دور الشخصية الساذجة صالح المهول، هل كان معه  عبد المجيد مجذوب؟ هل كانت معه  الام ة هند ا  اللمع؟ لقد كان هؤلاء درة التاج في عرش الدراما التلفزيونية الفصيحة.
94


































































































   90   91   92   93   94