Page 94 - Baghdadiat-RightToLeft
P. 94
بغداديات 60 ع ّمو بابا وحلاق اشبيلية
مات اللاعب العراقي احمد راضي امس )20 حزيران من عام الكورونا( بالكورونا الحق ة، كان اسمه قد ورد في حلقة تنشر بعد من سلسلة بغداديات، مجرد ورود في سياق قصة عن المطرب سعدون جابر والشاعر كريم العراقي، غ ان وفاته واتصال الصديق محمد علوي، وطلبه مني ان اكتب عن هذا اللاعب الشه ، دفعا بعيدا الى جزء غ مضاء من الذاكرة. اتعلم على اية آلة موسيقية، سعيت لتعويض النقص مع اولادي، تكن ثقافتي الموسيقية تتجاوز حدود ما هو شرقي، قرأت س ة حياة بيتهوفن مبكرا جدا، من كتاب استعارته شقيقتي الكبرى من مكتبة مدرستها، ما زلت اذكر ذلك الكتاب بغلافه المصقول المت ، كان من اصدار دار العلم للملاي بب وت، ايامها كانت
القاهرة تؤلف وب وت تطبع، وبغداد تقرأ.
يصدق شقيقي الاكبر انني قرأت الكتاب كاملا، فتح احدى الصفحات، وسألني: ما معنى انامله؟ اتذكر ساعة السؤال ان الكلمة قد مرت علي اثناء قراءة هذا الكتاب او غ ه، ولكنني اجبت ودون سابق معرفة : اصابعه الصغ ة، جاء الجواب من الوحي والتوقع المبني على السياق. انج فقط من السؤال، لقد نلت الاستحسان، والمزيد من الكتب. كنت افضل القراءة على اللعب مع الاقران في الحارة، كانوا يضعون الاحجار لرسم حدود المرمى ويتقسمون فريق ، تنتهي كرة القدم في الحارات عادة عركة، او
كسر شباك، او خروج جار غاضب لتفريق الاولاد، اذكر انني لعبت معهم مرات قليلة، كحارس مرمى، ليس ابعد من ذلك.
اذكر انني قرأت كامل اصدارات هذه الدار عن المشاه : مدام كوري، هنيبعل، ليوناردو دافنشي، عباس بن فرناس، هيل كيل ، وغ هم، قبل ان انتقل لقراءة الالغاز )تختخ ونوسة ومحب وعاطف ولوزة، والشاويش فرقع( وبعدها الشياط الـ 13. ان تقرأ عن بيتهوفن دون ان تسمعه خلل كب ، سيتكرر هذا الخلل ل سم معارف جافة دون مهارات، وان تسمع بيتهوفن وغ ه دون معارف تضع الموسيق ّي والموسيقى ذاتها في سياق، هو الآخر خلل يتكرر ليصنع ذائقة تفتقد الى التأصيل، ويقودك في الاربع الى شراء طبل الكشافة لأولادك، لمجرد انك كنت تشتهي في طفولتك ان تكون كشافا، ترتدي البنطال الرمادي والقميص الازرق الس وي )الس او الماوي حسب التعب العراقي(
وتعقد منديلا حول رقبتك وتضع طاقية خاكية على راسك، في تثني اصبع وترفع ثلاثة بتحية الكشافة.
ر ا يكون اول التقاء لذائقتي الموسيقية مع الاوبرا او السيمفونيات تم عبر برنامج الرياضة في اسبوع والذي كان يقدمه شيخ المعلق الرياضي مؤيد البدري على شاشة تلفزيون العراق، كانت مقدمة هذا البرنامج قطعة موسيقية رائعة، لا ل الاست ع لها، ولن تجد ما هو انسب منها كمقدمة لبرنامج رياضي، ستص هذه المقطوعة شيفرة لكل برنامج رياضي ولكل ذكرى رياضية ولكل هدف او انتصار كروي، وها هي تعود تتموج وتتقافز في راسي لمجرد س ع خبر وفاة اللاعب احمد راضي. لقد كانت موسيقى
»حلاق اشبيلية« للايطالي جواكينو روسيني.
ها هو الخلل التأصيلي يتكرر، والاوبرا الاشهر عالميا، والتي تتحدث عن حلاق سليط اللسان ينجح في فركشة زواج المصلحة، ويعيد المحبوبة الى حبيبها، تتحول الى شيفرة تدل على برنامج رياضي يقبع في الذاكرة قدمه مؤيد البدري صاحب الوجه الاك س حة، والتعليق الاشد انتصارا وح سا، كان في تعليقه الرياضي يعاتب اللاعب بشكل ابوي دون ان يجرحهم: يا عيني، يا ابني، هاي ليش هيج؟! ي ّلا ما يخالف خ ها بغ ها. والذكرى تد لتطال نجوم كرة القدم في هذا البلد، ومدربهم السريا صاحب الوجه الذي
يفيض طيبة، بلغته المكسرة التي لا تفرق ابدا ب المذكر والمؤنث، »عمو بابا« الاسم وحده فقط يفيض طرافة وطيبة.
كان اسمه ع نوئيل بابا داود، لكن العراقي لا يتركون اس على حاله، نحتوا الاسم فاصبح أجمل واطيب واصدق تعب ا عن س ت هذا الرجل، او )هذه الرجل ك كان يقول(. في مقابلة معه، وجوابا على الاستعانة درب اجانب قال عمو بابا حرفيا ما نصه: »..... آ اختلف عن هوايا ناس... انا عراقي صافي، من صميم قلب، احب عراق، احب الاطفال العراق، انا يلزمني بكاء لما اشوف اطفال عراق،....« هاجرت عائلته ولكنه بقي في العراق متحملا كل المطالب التعجيزية والتدخلات غ المهنية التي كان ارسها عدي صدام حس في الرياضة العراقية. توفي عمو بابا في عام 2009 ، تلكأت حكومة العراق الغارقة في الفوضى والفساد والطائفية في علاجه من مرض السكري، بدأ الاطباء
ببتر اصابع قدميه التي ركضت كث ا خلف الكرة، ودفن اخ ا حسب وصيته في ملعب الشعب، هذا الملعب الذي شهد امجاده كلاعب وكمدرب.
96