Page 29 - ثقافة قانونية - العدد الرابع - للنشر الإلكتروني
P. 29

‫المصرية كانت لها مكانة في المجتمع حيث يمكن‬            ‫الروماني في مصر كان غير فعال‪ .‬وكان يفتقر إلى‬             ‫الحال في القانون البطلمي‪ ،‬تضمنت الجرائم ضد‬
       ‫ﺣﻼﻣظﺔ ذﻟك ﻓﻲ النظام اﻧﺎﻘﻟوﻲﻧ الذي استمرت‬              ‫المواد اللازمة للتعامل مع الجريمة على نحو ملائم؛‬         ‫الأفراد السرقة والابتزاز ومنع مسؤولي الدولة من‬
       ‫فيه القوانين والعادات اليونانية والمصرية في التعايش‪.‬‬  ‫إذ لم يكن لدى معظم مسؤولي الدولة السلطة الفعلية‬          ‫القيام بأعمالهم‪ ،‬بالإضافة إلى تدمير الممتلكات‬
       ‫وتقدم القانون الجنائي بشكل كبير منذ عهد الفراعنة‪،‬‬     ‫لاتخاذ القرار بشأن مثل هذه الأمور‪ .‬وبسبب هذا يبدو‬        ‫الخاصة‪ .‬ولكن في القانون الروماني‪ ،‬تنوعت الجرائم‬
       ‫ويبدو أنه تم اعتباره منفصلاً عن القانون المدني‪.‬‬       ‫أن القانون والعدالة كان لهما معنى أقل في المستويات‬       ‫ضد الأفراد بصورة أكبر حيث شملت تدمير الوثائق‬
       ‫وعندما فرض الفراعنة أقسى عقوباتهم على القضاة‬          ‫الأدنى من الإدارة وفي جميع أنحاء الريف المصري‪ .‬وفي‬       ‫وتقييد الحريات والحرمان من الدفن‪ .‬وتم تكليف‬
       ‫الفاسدين والذين سرقوا المقابر الملكية‪ ،‬كان القانون‬    ‫ضوء هذا كله لن يكون من المستغرب أن يكون هناك‬             ‫المسؤولين الحكوميون بالإشراف على عملية العدالة‬
       ‫الجنائي البطلمي هو الأقل تسام ًحا في الجرائم التي‬     ‫القليل من الأدلة على التنفيذ الفعلي للعقوبة الجنائية‬     ‫الجنائية‪ ،‬سواء من خلال الفصل بين كبار المسؤولين‬
       ‫تؤذي إيرادات الدولة‪ .‬وكان القانون البطلمي يعالج‬       ‫في مصر الرومانية‪ .‬وكانت العقوبات المالية مصدقة‬           ‫أو من خلال الشرطة المحلية‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪،‬‬
       ‫القضايا بسرعة وبشكل محلي في كثير من الأحيان‪،‬‬          ‫في مصر الرومانية‪ ،‬متمثلة في مصادرة الممتلكات‬             ‫فإن تطبيق القانون في مصر الرومانية لم ينجح بنفس‬
       ‫مما يثبت أنه كان وسيلة فعالة للغاية للحفاظ على‬        ‫كما أن هناك القليل من الأدلة على وجود غرامات‬
       ‫النظام الاجتماعي‪ .‬وبعد أكثر من قرن من كونها جز ًءا‬    ‫مالية‪ .‬وفيما يتعلق بالعقاب البدني‪ ،‬لا يوجد الكثير‬              ‫الصورة التي كان عليها في العصر البطلمي‪.‬‬
       ‫من الإمبراطورية الرومانية‪ ،‬سقطت مصر في أيدي‬           ‫من الأدلة التي يمكن أن تقود إلى الاعتقاد بأنها كانت‬      ‫كانت وسيلة تحديد ما إذا كان النظام الروماني‬
       ‫الرومان في ‪ 30‬ق‪.‬م‪ ،‬وقاموا بالعديد من التغييرات في‬     ‫ُتستخدم بشكل متكرر‪ ،‬كما أنه كان يحظر استخدام‬             ‫يتم تطبيقه عمل ًيا هي معرفة إلى أي مدى كان العنف‬
       ‫الأنظمة الإدارية والقانونية البطلمية‪ ،‬حيث أصبحت‬       ‫العقاب البدني ضد المواطنين الرومان‪ .‬وإنما كان‬            ‫والجريمة متفشين في مصر‪ .‬وكان هذا أمر معق ًدا‬
       ‫مصر تابعة مباشرة للإمبراطور‪ ،‬الذي عين حاك ًما‬         ‫ُيطبق على العبيد‪ .‬أما بالنسبة لعقوبة الإعدام‪ ،‬فلا‬        ‫إلى حد ما؛ لأن المصادر الأدبية الرومانية القديمة‬
       ‫يحكم البلاد باسمه‪ .‬وأصبحت السلطة القضائية في‬          ‫يوجد دليل عليها في مصر الرومانية إلا بعد القرن‬           ‫هي في جميع الأحوال أحادية الجانب في تصويرها‬
       ‫مصر الرومانية مركزية إلى حد بعيد‪ ،‬فقط الحاكم‬          ‫الثالث الميلادي‪ ،‬فكانت العقوبة على القتل المتعمد‬         ‫السلبي لمصر وسكانها‪ .‬وكانت الطريقة التقليدية‬
       ‫يمكن أن يحكم بشكل قاطع في القضايا القانونية‪.‬‬                                                                   ‫لقياس درجة النشاط الإجرامي في مصر الرومانية‬
       ‫وعلى الرغم من حقيقة أنه يمكنه تفويض بعض‬                               ‫إما بالنفي أو مصادرة الممتلكات‪.‬‬          ‫هي وضع قائمة بالجرائم من البرديات الموجودة‪.‬‬
       ‫الحالات إلى مرؤوسيه‪ ،‬فإن هذه المركزية أبطأت‬           ‫كان العدل مفهو ًما مركز ًيا داخل المجتمع المصري‬          ‫وعلى الرغم من مشاكل هذا النهج فإنه أصبح الإجماع‬
       ‫وبصورة شديدة عملية الحصول على الحقوق‪ .‬وفي‬             ‫القديم‪ .‬كانت الفرعون هو وحـده يمتلك السلطة‬               ‫العلمي العام أن مصر كانت بالفعل مكا ًنا عني ًفا إلى‬
       ‫الختام‪ ،‬كان لدى الحكومة الرومانية في مصر نفس‬          ‫القانونية الحقيقية للفصل في الأمــور‪ .‬لكن من‬              ‫حد ما لا سيما في الأجزاء غير الصالحة للسكن‪.‬‬
       ‫الأهداف التي كان لأسلافها البطلميين‪ ،‬لكن فلسفتهم‬      ‫الناحية العملية قام بتفويض العديد من المهام إلى‬          ‫هناك مشكلة أخرى في نظام العدالة الجنائية في‬
       ‫الإداريـة كانت مختلفة تما ًما‪ ،‬حيث كانت بلا شك‬        ‫الوزير‪ .‬ولم يتم تمييز القانون الجنائي عن القانون‬         ‫مصر الرومانية وهي أن السلطة القانونية بالكامل‬
       ‫عاملاً مه ًما في تراجع العدالة الجنائية في مصر‬        ‫المدني‪ .‬وعموما لا يبدو أن القانون قد تم تدوينه‬           ‫كانت مركزية حيث كان الحاكم فقط صاحب الحق‬
       ‫الرومانية‪ ،‬بالإضافة أي ًضا أنه بعد عام ‪ 30‬ق‪.‬م‪،‬‬        ‫على الإطلاق‪ .‬وبالنسبة للعقوبات فكان الأكثر شيوعا‬         ‫في الفصل في النزاعات؛ لذا أصبحت عملية التقاضي‬
       ‫أصبحت مصر جز ًءا من إمبراطورية أكبر في مقابل‬          ‫الضرب بالعصي وبتر الأنف والأذنين وإلحاق الجروح‪.‬‬          ‫بطيئة ومعقدة للغاية‪ .‬ويبدو أن نظام العدالة الجنائية‬
       ‫كونها كانت مملكة ُتدار بالكامل من الداخل خلال‬         ‫ومع ذلك‪ ،‬يبدو أن المصريين القدماء كانوا مترددين‬
                                                             ‫تما ًما فيما يتعلق بتطبيقها‪ .‬وبعد أن أصبحت مصر‬
                                      ‫العصر البطلمي‪.‬‬         ‫مملكة بطلمية‪ ،‬أ ّسس البطالمة نظا ًما بيروقراط ًيا فعاًل‬
       ‫لقد كانت «الماعت» هي وجه مصر القديمة المشرق‪،‬‬          ‫لخدمة الإدارة اليونانية الجديدة‪ ،‬وزيادة الدخل من‬
       ‫بينما كانت «الإسفت» الفوضى هي وجه مصر القديمة‬         ‫خلال فرض الضرائب‪ .‬وكان النظام البيروقراطي‬
       ‫المظلم‪ .‬إن قصة الحضارة في مصر الفرعونية هي‬            ‫مبن ًيا على هياكل إداريــة مصرية مـوجـودة‪ .‬ومن‬
       ‫قصة إقامة «المـاعـت»‪ ،‬وقصة الفوضى في مصر‬              ‫المشكوك فيه جـدا أن القانون الجنائي المصري‬
       ‫الفرعونية هي سيادة «الإسـفـت»‪ .‬إن قصة مصر‬             ‫التقليدي استمر في الوجود بعد ‪ 305‬قبل الميلاد‪ .‬ومن‬
       ‫الفرعونية باختصار هي قصة الصراع بين «الماعت»‬          ‫أجل تحقيق أهدافهم‪ ،‬استرضى البطالمة المصريين‬
       ‫(العدالة والنظام) و»الإسفت» (الفوضى) على أرض‬          ‫بوسائل مختلفة حتى إذا كان اليونانيون بالتأكيد‬
                                                             ‫يشكلون النخبة الاجتماعية والإدارية‪ ،‬فإن الثقافة‬
                                       ‫مصر الفراعنة‪.‬‬

‫‪29‬‬
   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34