Page 31 - ثقافة قانونية - العدد الرابع - للنشر الإلكتروني
P. 31

‫حركة المجتمع‪ ،‬فهي بذلك تحتاج إلى رعاية ومتابعة من قبل الجهاز المسؤول وهذا‬    ‫فحق التقاضي حق مصون ويدل هذا على أن الدستور قرر هذا الحق كمبدأ‬
      ‫يقتضي دراسة ومراجعة وتقييماً مستمراً لقوانين الدولة من أجل سرعة الفصل في‬     ‫دستوري أصيل مؤداه حظر النص على التعدي هذا الحق بأي وسيلة تشريعية‬
      ‫القضايا‪ ،‬وخاصة الإجرائية منها التي تؤدي إلى بطئ التقاضي‪ ،‬والمنظمة للنظام‬     ‫او تنفيذية‪ ،‬حيث إن الدستور قد حرص ‪ -‬في سبيل حماية الحقوق الحريات‬
      ‫القضائي لاستبعاد كل خطوة أو إجراء يعيق سرعة العدالة‪ ،‬وإضافة إجراءات‬          ‫العامة على تأكيد خصوصيتها وحمايتها وبصفها بأنها «مصونة»‪ ،‬فقد جاء في‬
      ‫سهلة تكرس العدالة‪ ..‬عندها تشيع الطمأنينة في النفوس ويأمن الناس على‬           ‫نص المادة (‪ )41‬من الدستور على أن «الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة‬
      ‫معاملاتهم وتنشط الحياة في المجتمع على الأصعدة كافة‪ ،‬وخاصة الاقتصادية منها‪.‬‬   ‫لا تمس» كما نصت المادة (‪ )44‬من ذلك الدستور على أن «للمساكن حرمة» ثم‬
      ‫فالعدالة غير الميسرة والبطيئة نوع من الظلم‪ ،‬وهناك من الحقوق ما لا تحتمل‬      ‫قضت الفقرة الأولى من المادة (‪ )45‬منه بأن «لحياة المواطنين الخاصة حرمة‬
        ‫تأخيراً‪ ،‬وخصومات يختل الأمن بها ما لم تحسم فوراً‪ ..‬عندها نفقد العدالة‪.‬‬     ‫يحميها القانون» غير أن الدستور لم يكتف في تقرير هذه الحماية الدستورية‬
      ‫ومن هنا بات ضرورياً أن يتطور الجهاز القضائي في أسلوب عمله وأدائه مع‬          ‫بإيراد ذلك في عبارات عامة كما كانت تفعل الدساتير السابقة التي كانت تقرر‬
      ‫التطور الذي يصيب المجتمع ويواكب ذلك التطور ويعايشه بل يسبقه ليتمكن من‬        ‫كفالة الحرية الشخصية وما تفرع عنها من حق الأمن وعدم القبض أو الاعتقال‬
                                                                                   ‫وحرمة المنازل وعدم جواز دخولها أو مراقبتها تاركة للمشرع العادي السلطة‬
                                                    ‫أداء رسالته على أكمل وجه‪.‬‬
              ‫خامساً‪ :‬حظر تحصين أي عمل أو قرار اداري من الرقابة القضائية‪:‬‬                                           ‫الكاملة دون قيود في تنظيم هذه الحريات‬
      ‫الظاهر من هذا النص أن الدستور لم يقف عند حد تقرير حق التقاضي للناس‬                                                        ‫ثانياً‪ :‬حق مكفول للكافة ‪:‬‬
      ‫كافة كمبدأ دستوري أصيل بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص في القوانين‬
                                                                                   ‫أصبح من أخص وظائف الدولة إقامة العدل بين الناس‪ ،‬ومادام القضاء عملاً‬
                            ‫على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء‪.‬‬        ‫عاماً تستأثر الدولة بتنظيمه وممارسته‪ ،‬فقد وجب عليها أن يكون ميسوراً للأفراد‬
      ‫وقد خص الدستور هذا المبدأ بالذكر رغم أنه يدخل في عموم المبدأ الأول‬
      ‫الذي يقرر حق التقاضي للناس كافة‪ ،‬وذلك رغبة من المشرع الدستوري في توكيد‬          ‫من مختلف نواحيه‪ ،‬وأن يكون في متناول الكافة‪ ،‬وألا يكون باهظ التكاليف‪.‬‬
      ‫الرقابة القضائية على القرارات الإدارية وحسما لما ثار من خلاف في شأن عدم‬      ‫ولا يمكن أن تدخل دولة ما في عداد الدول الديمقراطية‪ ،‬أو يكون نظام حكمها‬
      ‫دستورية التشريعات التي تحظر حق الطعن في هذه القرارات‪ .‬وقد ردد النص‬           ‫كذلك‪ ،‬إلا بتقرير وكفالة حق التقاضي لجميع الأفراد الذين يطمئنون إلى أن‬
      ‫المشار إليه ما أقرته الدساتير السابقة ضمنا من كفالة حق التقاضي للأفراد‬
      ‫وذلك حين خولتهم حقوقا لا تقوم ولا تؤتي ثمارها إلا بقيام هذا الحق باعتباره‬      ‫حقوقهم محفوظة‪ ،‬وحرياتهم آمنة‪ ،‬عندها تبتعد عن نفوسهم مشاعر الظلم‪.‬‬
                                                                                   ‫ولا تملك السلطة التشريعية الحق في إصدار تشريعات تمنع بها القضاء من‬
                         ‫الوسيلة التي تكفل حمايتها والتمتع بها ورد العدوان عليها‪.‬‬  ‫النظر في قضايا بذاتها‪ ،‬أو ُتخرج منازعات بعينها من اختصاصه‪ ،‬و ُتوكل أمر البت‬
                                             ‫سادساً‪ :‬قيمة القاضي الطبيعي ‪:‬‬         ‫في تلك المنازعات إلى جهات غير قضائية‪ ،‬أو تسلبه الحق في التصدي لنزاعات‬
                                                                                   ‫بعينها‪ ،‬لأن ذاك المنع‪ ،‬وهذا السلب‪ُ ،‬يعتبران اعتدا ًء صارخاً انتهاكاً لحق التقاضي‬
      ‫أجمعت معظم دساتير الدول ‪ ،‬كما أكدت المواثيق العالمية والمؤتمرات الدولية‪،‬‬
      ‫علي كفالة حق المواطن في أن تنظر قضيته أمام القضاء الطبيعي ‪.‬ويتحدد القضاء‬                                   ‫المكفول لجميع المواطنين عن طريق الدستور‪.‬‬
                                                                                   ‫وهكذا فإن حق التقاضي يعد حقاً من الحقوق العامة الطبيعية لكل إنسان‪،‬‬
                                          ‫الطبيعي بعدة عناصر يأتى على رأسها‪:‬‬       ‫والتي استقرت في ضمير العالم المتمدن‪ ،‬والتي لا تحتاج إلى نص يقررها‪ ،‬ولأجل‬
      ‫‪ -1‬أن تنشأ المحكمة بقانون في وقت سابق علي نشوء الدعوى بحيث لا يجوز‬
      ‫بعد نشوء الدعوى أو وقوع الجريمة انتزاع المواطن أو المتهم من قاضيه الطبيعي‬                             ‫ذلك فإن التشريع الذي يصادره يعد غير دستوري‪.‬‬
                                                                                                                ‫ثالثاً‪ :‬تقريب جهات التقاضي من المتقاضين‪:‬‬
                          ‫إلي محكمة أخري أقل ضمانا تنشأ خصيصا من أجلها ‪.‬‬
      ‫‪ - 2‬أن يتحدد اختصاص المحكمة بواسطة القانون وفقا لمعايير موضوعية‬              ‫جميع الدول ومنها مصر تولي القضاء الذي تقوم به المحاكم اهتماماً بالغاً‪ ،‬فتقوم‬
                                                                                   ‫بنشر مرافق العدالة على جميع أقاليمها من أجل قرب التقاضي من المتقاضين‪،‬‬
                                    ‫مجردة غير متوقف علي مشيئة سلطة معينة ‪.‬‬         ‫وتحشد الطاقات البشرية ذات الكفاءة العلمية والمدربة علمياً‪ ،‬والإمكانيات المادية‬
      ‫‪ - 3‬أن يكون هذا القضاء دائما أي أن تكون له ولاية دائمة دون قيد زماني‬         ‫من مبان ومراكز وتصدر التشريعات الإجرائية والموضوعية التي تتناسب مع حركة‬

              ‫معين سواء تحدد هذا القيد بمدد معينة أو بظروف استثنائية مؤقتة ‪.‬‬                                                       ‫المجتمع وتطوره وحاجته‪.‬‬
            ‫‪ - 4‬أن تتوافر في هذا القضاء ضمانات الكفاءة والحيدة والاستقلال ‪.‬‬                                               ‫رابعاً‪ :‬سرعة الفصل في القضايا‪:‬‬
                                                                                   ‫العدالة في أي مجتمع لا تقف عند حد معين‪ ،‬بل هي متطورة‪ ،‬ومتجددة مع‬
                             ‫‪ - 5‬أن تتوافر أمامه حقوق الدفاع وضماناته كاملة‬
      ‫فحق الإنسان في اللجوء إلى القاضي الطبيعي حق أصيل يرتبط بصفة الإنسانية‬
      ‫ويؤدي بالضرورة إلى أن لكل فرد الحق بأن يقاضى أمام قاضيه الطبيعي‪ ،‬وإلا‬
      ‫يجبر على المثول أمام غير هذا القاضي ‪ ،‬لقد أصبح هذا المبدأ من المبادئ‬
      ‫الأصولية العليا‪ ،‬بل لعله المبدأ الأول الذي يهيمن على كل نظام قضائي أيا كانت‬

                                                            ‫فلسفة هذا النظام‪.‬‬
      ‫ففكرة القاضي الطبيعي قديمة حديثة اقتضاها مبدأ الفصل بين السلطات‬
      ‫أي استقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية والتنفيذية‪ ،‬فكل تدخل‬
      ‫من أي من هاتين السلطتين في اختصاص القاضي بمناسبة دعوى معينة‪ ،‬يعد‬

                                                     ‫اعتداء على سلطة القضاء‪.‬‬
                                             ‫سابعاً‪ :‬حظر المحاكم الاستثنائية‪:‬‬
      ‫ان إسباغ قيمة دستورية على بعض المحاكم الاستثنائية يتعارض مع العديد من‬
      ‫المبادئ الدستورية‪ ،‬ولاسيما مبدأ استقلال القضاء ومبدأ القاضي الطبيعي‪ ،‬فقد‬
      ‫حرصت الدساتير المصرية المتعاقبة‪ ،‬على تأكيد استقلال القضاة وعدم خضوعهم‬
      ‫إلا لسلطان القانون وعدم جواز التدخل في القضايا‪ .‬وحق كل مواطن في اللجوء‬
      ‫إلى قاضيه الطبيعي‪ .‬وما دام الدستور قد قرر مبدأ القاضي الطبيعي‪ ،‬فإن‬
      ‫مؤدي ذلك ومقتضاه هو حظر المحاكم الاستثنائية‪ ،‬تحت أي مسمى وبأي وصف‪.‬‬
      ‫ويكاد ينعقد إجماع دساتير العالم المتحضر على تقرير مبدأ القاضي الطبيعي؛‬
      ‫ولا يخلو من هذا المبدأ دستور واحد‪ ،‬مهما كان النظام المتبع‪ ،‬وأياً كان المذهب‬
                      ‫السياسي المعتنق‪ ،‬وبغض النظر عن النهج الاقتصادي المختار‪.‬‬

                                                                 ‫الخلاصة ‪:‬‬
      ‫خلاصة ما سبق يتضح لنا جليا أن حق التقاضى هو من أهم حقوق المواطنه‬
      ‫لكافة المواطنين بلا استثناء وحرصت كافة الدساتير على كفالته وحمايته سواء‬

‫بنصوص صريحه او ضمنيه بين نصوص الدستور ‪31 .‬‬
   26   27   28   29   30   31   32   33   34   35   36