Page 27 - ثقافة قانونية - العدد الرابع - للنشر الإلكتروني نهائي
P. 27

‫«محكمة العالم الآخر» الدينية‪ ،‬نموذجا لمحكمة مدنية في المجتمع لتحقيق الانضباط‬

       ‫يمثلون الفرعون في المسائل القانونية والإدارية؛ لذا‬     ‫الأصلية للبضائع المسروقة‪ .‬إما إذا كانت البضاعة‬       ‫والمراسيم الملكية‪ .‬وهذه للأسف‪ ،‬لم تن ُج بأعداد كبيرة‪.‬‬
       ‫فإن أي سوء تصرف قضائي ينعكس بشكل مباشر‬                 ‫المسروقة ملكًا للدولة فتكون العقوبة أثقل بكثير‪.‬‬      ‫ولحسن الحظ‪ ،‬هناك استثناء واحد لهذه المسألة‬
       ‫على الفرعون؛ لذا تم اتخاذ جميع الاحتياطات لضمان‬        ‫وأما إذا كان المسروق ملكًا للفرعون‪ ،‬فكان اللص‬        ‫جاء إلينا من مجتمع العمال في الدولة الحديثة في‬
       ‫نزاهة المحكمة‪ .‬كما هو موضح في نصوص دير المدينة‪.‬‬        ‫ُمطال ًبا بدفع ثمانين إلى مائة ضعف للأشياء المسروقة‬  ‫دير المدينة‪ .‬وعلى مدار ما يقرب من ‪ 400‬عام‪ ،‬أنتج‬
       ‫قرب نهاية عهد رمسيس الثالث‪ ،‬تشكلت مؤامرة‬               ‫بالإضافة إلى العقاب الجسدي مثل الضرب أو في‬           ‫سكان هذا المجتمع عشرات الوثائق التي تم أرشفتها‪.‬‬
       ‫لاغتيال الملك بين واحدة من الملكات والخدم الملكي‪.‬‬                                                           ‫وتمتد السجلات التي خلّفها أولئك العمال على مدار‬
       ‫وكان في المؤامرة العديد من الحريم الملكي‪ ،‬فضلاً عن‬               ‫حالات نادرة تصل العقوبة إلى الإعدام‪.‬‬       ‫عصر الدولة الحديثة‪ .‬وتقدم النصوص معلومات عن‬
       ‫عشرة من مسؤولي الحريم وزوجاتهم‪ .‬وقبل تنفيذ‬             ‫لم تكن النصوص القضائية الصادرة من دير المدينة‬        ‫الحياة اليومية والتي ساهمت بشكل كبير في معرفتنا‬
       ‫الخطة‪ ،‬تم كشف الخيانة والقبض على جميع المعنيين‬         ‫غير محسومة فيما يتعلق بالموقف القانون المصري‬
       ‫وأم ّر الفرعون بملاحقتهم‪ .‬وبما أنه لا يمكن معالجة‬      ‫من الزنا والاغتصاب‪ ،‬لكن بالتأكيد‪ ،‬كان المصريون‬                      ‫بالنظام القضائي المصري القديم‪.‬‬
       ‫قضية بهذا الحجم من قبل محكمة قانونية عادية‪،‬‬            ‫ينظرون إلى كل من الاغتصاب والزنا كسلوك غير‬           ‫من الصعب ‪-‬استنا ًدا إلى نصوص مثل سجلات‬
       ‫فقد تم تعيين لجنة خاصة تتألف من أربعة عشر من‬           ‫مشروع‪ ،‬وكان يتم التعامل معه في كثير من الأحيان‬       ‫المحاكمة‪ -‬أن نميز القانون الجنائي عن فروع القانون‬
       ‫كبار المسؤولين للتحقيق في الجرائم ومعاقبة المذنبين‪.‬‬    ‫من قبل المحاكم‪ .‬أما فيما يتعلق بالأفعال الأخرى‬       ‫الأخرى‪ .‬ولم يكن القانون الجنائي‪ ،‬مع َّر ًفا بوضوح‬
       ‫وكانت المقابر –خاصة التابعة للطبقة العليا– هد ًفا‬      ‫التي يمكن أن نطلق عليها سوء سلوك جنسي مثل‬            ‫داخل النظام القضائي المصري‪ .‬لكن هناك طريقة‬
       ‫للسرقة‪ ،‬وكان ذلك جريمة يعاقب عليها القانون‪ ،‬حيث‬        ‫المثلية والبغاء‪ ،‬فلا يبدو أن هذه كانت جرائم جنائية‪.‬‬  ‫أخرى لتحديد القضايا الجنائية بوضوح في النصوص‬
       ‫وصلت عقوبة السطو على المقابر الملكية إلى الإعدام‪.‬‬      ‫وكان الاعتداء الجسدي بالتأكيد جريمة ُيعاقب عليها‬     ‫القانونية من دير المدينة من خلال تقييم العقوبات‬
       ‫وكانت المحكمة الكبرى التي يرأسها الوزير هي التي‬        ‫القانون في المجتمع المصري القديم‪ ،‬وهناك بعض‬          ‫التي تم تنفيذها في الحالات المختلفة؛ إذ لم يكن من‬
       ‫تحكم بنفسها في حوادث السطو على المقابر الملكية‪.‬‬        ‫الحالات التي تم فيها إدانة شخص ما حيث تلقى‬           ‫الواضح أن كل التجاوزات كانت متساوية في العقوبة‪.‬‬
       ‫في أعقاب غزو الإسكندر الأكبر السلمي إلى حد‬                                                                  ‫يبدو أن السرقة كانت موجودة إلى حد ما في دير‬
       ‫ما لمصر في عام ‪ 332‬قبل الميلاد‪ ،‬حدث تغيير في‬                          ‫الجاني عقوبة جسدية من نوع ما‪.‬‬         ‫المدينة؛ فلدينا في السجلات الاتهامات والتحقيقات‬
       ‫القيادة داخل المجتمع والإدارة في مصر‪ ،‬وعلى وجه‬         ‫كانت ماعت إلهة العدالة مبدأً إرشـاد ًيـا داخل‬        ‫والعقوبات المفروضة‪ .‬ومع ذلك فإن العقوبات لم‬
       ‫الخصوص على نظامها القانوني‪ ،‬حيث أصبح تطبيق‬             ‫المجتمع المصري القديم‪ .‬وكانت العدالة تتم وف ًقا‬      ‫تتجاوز العقوبات الاقتصادية حيث كان يضطر اللص‬
       ‫القانون والولاية القضائية المصرية أكثر تعقي ًدا بكثير‬  ‫لمبادئ «ماعت»‪ .‬وكانت مسؤولية جماعية‪ .‬ومن ثم‬          ‫إلى إعادة البضائع المسروقة‪ .‬وكان يتعين عليه دفع‬
                                                              ‫ليس من المستغرب أن نزاهة القضاة تعتبر ذات أهمية‬      ‫تعويض يمكن أن يصل إلى أربعة أضعاف القيمة‬
‫‪27‬‬                                                            ‫استثنائية‪ .‬حيث كان القضاة مسؤولين حكوميين‪،‬‬
   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31   32