Page 54 - ثقافة قانونية - العدد الرابع - للنشر الإلكتروني نهائي
P. 54

‫المشقباالب‬

‫العنف الجسيم وكل أشكال الانتهاكات لحقوق المرأة فى أوقات السلم والنزاع المسلح على حد السواء‪ ،‬فالمرأة ما زالت تعانى من عدم فهم احتياجاتها‬
‫ومتطلباتها الآدمية‪ ،‬ولا تزال تناضل من أجل الحصول على حقوقها والتى من أيسرها‪ :‬الحق فى الحياة دون تعرضها لانتهاكات تقضى على حياتها‪،‬‬

                                                                                                ‫أو تؤثر على وجودها الآمن والمستقر‪.‬‬
‫وهنا يتبادر للذهن تساؤل مهم حول مدى فاعلية البروتوكولات والمعاهدات المناهضة لحقوق المرأة وعدم القيام بالدور المنشود لها من حماية فعلية‬
‫لحقوق المرأة‪ ،‬وماهية الإجراءات التى لا بد من أن تتخذها المنظمات الوطنية والدولية لفاعلية حقوق المرأة فى الواقع العملي؟ وهل العنف الجنسى‬

                                                               ‫ضد المرأة من الأمور التى من صعب تفاديها أثناء النزاعات المسلحة؟‪ ،‬حيث‪:‬‬
‫«يعد العنف أحد أنواع السلوك المثير للمزيد من القلق والاهتمام من جانب الساسة والنقاد والفلاسفة ورجال القانون‪ ..‬إذ ساوى النقاد الاجتماعيون‬
‫العنف مع الانحلال وأكد الساسة على انتشاره وضرورة حشد موارد لا مثيل لها من قبلهم لمحاربته واتفق رجال القانون على إدانته وعدم التحريض‬

                                                                                                   ‫عليه والامتناع عن المشاركة فيه»(((‬
                                                         ‫خطة البحث‬
‫وهو ما يدعو إلى مناقشة جدوى الإجراءات التى لا بد منها لتفعيل اتفاقيات وقوانين ومعاهدات حقوق المرأة فى الواقع العملي‪ ،‬وقد قسم هذا البحث إلى‪:‬‬

                                                                                       ‫المبحث الأول‪ :‬ماهية العنف ضد المرأة وإطاره‬
                                                                                                   ‫المطلب الأول‪ :‬النظرية التقليدية‬

                                                                                  ‫المطلب الثاني‪ :‬توصيف العنف وكونه إكراها للإرادة‬
                                                                            ‫المبحث الثاني‪ :‬التكييف القانونى لجريمة العنف ضد المرأة‬
                                                                            ‫المطلب الأول‪ :‬اعتبار العنف الجنسى جريمة إبادة جماعية‬

                                                                                  ‫المطلب الثاني‪ :‬اعتبار العنف الجنسى جريمة حرب‬
                                                                                    ‫المطلب الثالث‪ :‬الاغتصاب كجريمة ضد الإنسانية‬

                                                                                                                   ‫المبحث الأول‬
                                                ‫ماهية العنف ضد المرأة وإطاره‬
‫استنادا إلى أن العنف من المشاكل المثيرة للاهتمام‪ ،‬حيث أثناء الأزمات التى تنتج عن أعمال الشغب والاغتيالات أصبح هناك ضرورة لدراسته لوصوله‬
‫مرحلة الذروة القصوى ولقى اهتماما من جانب الإعلام والصحافة وتسبب بوجود هاجس للعامة؛ فالعنف من الناحية القانونية يتمثل فى كونه عقبة‬
‫فى طريق تمتع الضحايا بكافة حقوقهم الإنسانية والآدمية ابتداء بحقهم فى الحصول على قدر من الصحة سواء كانت الجسدية أو النفسية وانتهاء‬
‫إلى القضاء على حقهم فى التمتع بالأمن الشخصى وإنهاء حياتهم بأبشع الطرق‪ ،‬ونتيجة لتطور مفهوم العنف بين المفكرين تطورت النظريات المتعلقة‬
‫به‪ .‬ومن بين هذه النظريات المقدمة مؤخرا هى تلك النظرية التى تناقض العنف بمفهوم مثالى عن السلام فى الأرض ويتمثل العنف فى هذا التعريف‬
‫فى الخصائص البشرية للعالم‪ ،‬وقد قدمت مفاهيم أخرى أكثر صرامة عن العنف وتمثلت فى انشغال الفلاسفة حول القانون والنظام اللذين يتناقض‬
‫معهما العنف‪ ،‬ونتج عنه تعريف ضيق ليشمل الاعتداء الجنائى فقط‪ ..‬وبعض المفكرين اهتموا بالعنف السياسى كمفهوم آخر للعنف من خلال قصر‬

                                                                                   ‫تطبيقه على الأفعال الموجهة نحو التغيير السياسي‪..‬‬
‫يؤثر اختلاف المفكرين ووجهات نظرهم حول العنف‪ ،‬على تعريفات العنف التى تحدد نطاق المشكلة وطرق حلها‪ ،‬مما يثير الجدل حول دراسة تلك‬
‫الجريمة العنيفة وتحديد إحصائياتها ومعرفة تكييفها القانوني؛ ولذا فإن مصطلح العنف قد أثار جدلا واسعا لاستيعاب وفهم العنف ضد المرأة بكافة‬
‫صوره‪ ،‬كما يعد العنف ظاهرة مبهمة حيث أنه ليس مجرد ظاهرة بسيطة تتمثل فى القوة أو تعبير خارجى عن العدوان على الرغم من وجود ارتباط‬

                                                                                         ‫عام بين مفهومه وبين مفهوم القوة والعدوان‪..‬‬
‫كما أن هناك حالة من التناقض والتعارض فى أساس العلاقة التى تربط بين الفرد بالمجتمع‪ ،‬وكذلك التعارض بين الأفراد أنفسهم مما جعله من‬
‫الأسباب التى تتمثل فيها رغبة الفقه فى التوسيع أحيانا أو التضييق أحيانا أخرى فى تعريفهم للعنف؛ فالبعض ينظر للعنف على أنه نمط من أنماط‬
‫السلوك والبعض الآخر يراه كظاهرة‪ ..‬ويعرف العنف كظاهرة على أنه‪« :‬فعل يتضمن إيذاء الآخرين ويكون مصحوبا بانفعالات الانفجار والتوتر وكأى‬
‫فعل آخر لابد وأن يكون له هدف يتمثل فى تحقيق مصلحة معنوية أو مادية»‪ ،‬وكظاهرة اجتماعية يتكون من‪« :‬عدد من الأفعال تسند إلى مجموعة من‬

                                         ‫الفاعلين تحدث فى محيط معين ويكون لها درجة من الاستمرارية بحيث تحتل فترة زمنية واضحة»(((‬
‫هناك تفاوت فى درجات العنف‪ ،‬يتمثل البسيط منه أنه لا يتعدى آثار غصب الآخر‪ ،‬أما الشديد منه فهو ذلك الذى يصل إلى إنهاء حياة الآخر‪ ،‬وقد‬
‫اختلفت الزاوية التى ينظر من خلالها الباحثون إعداد التعريفات‪ ،‬وقد تم اقتصار الاهتمام على أفعال العنف المتعارف عليها فى الوقت الحاضر وربطه‬
‫ما بين وسائل القسر والاستعمال غير القانونى لها‪ .‬وعرف بأنه «الاستعمال غير القانونى لوسائل الإكراه المادى أو القسر البدنى ابتغاء تحقيق غايات‬
‫شخصية أو جماعية»((( أو أنه‪« :‬أنواع الجرائم التى يصاحبها استعمال غير قانونى لوسائل القسر المادى أو البدنى فى الإضرار بشخص أو شيء أو‬

‫(((‪( -‬د‪ /‬أمل فاضل عنوز‪ ..‬أستاذ القانون الجنائي‪ ..‬العنف ضد المرأة‪ ..‬دراسة فى القانون الجنائى والقانون الدولى الإنساني‪ ..‬كلية الحقوق جامعة النهرين‪..‬‬
                                                                                                                  ‫مكتبة السنهورى بيروت ‪)2018‬‬

                                             ‫((( ( مصطفى عمر التير‪ -‬العنف العائلي‪ -‬أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية‪ -‬الرياض‪ -1997 -‬ص‪)14‬‬

          ‫((( (رعد عبد الجليل‪ -‬ظاهرة العنف السياسي‪ ،‬دراسة فى العنف الثوري‪ -‬رسالة ماجستير‪ -‬كلية القانون والسياسة‪ ،‬جامعة بغداد‪ -1980 -‬ص ‪)4‬‬

                                                                                     ‫أكتوبر ‪542024‬‬
   49   50   51   52   53   54   55   56   57   58   59