Page 55 - ثقافة قانونية - العدد الرابع - للنشر الإلكتروني نهائي
P. 55

‫ابتغاء تحقيق غاية شخصية أو اجتماعية أو سياسية «(((‬
      ‫العنف فى معناه الدقيق يتمثل فى كونه من جرائم الاعتداء على الحياة أو على سلامة الأبدان‪ ،‬ويعد النموذج الأصلى للعنف هو انتهاك حق الحياة‬
      ‫وسلامة الجسم ‪ ،‬وقد ذكر المشرع العراقى صراحة مصطلح العنف فى مادتين فقط‪ ،‬حيث تعنى الأولى أن العنف يتصور تمثيله فى كونه جريمة الضرب‬
      ‫المفضى إلى الموت (المادة ‪ ،)410‬والثانية تتمثل فى جرائم الجرح والضرب والإيذاء المتعمد (‪ )412/1‬وعادة ما يكون العنف وسيلة من وسائل الاعتداء‬
      ‫على حق الإنسان فى سلامة بدنه‪ ،‬سواء كانت أفعال العنف ترتب عليها أذى نفسى أو مادي‪ ،‬فإن العقاب مساوى بذات العقوبة المقررة لأفعال الجرح‬

                                                                                                          ‫والضرب وإعطاء المواد الضارة(((‬
      ‫وعلى النقيض كان موقف المشرع المصرى حيث جاء قانون العقوبات المصرى خاليا من لفظ العنف؛ مما دفع جانب من الفقه الجنائى المصرى إلى‬
      ‫التمسك ببعض نظريات العنف‪ ،‬والاتجاه الآخر بتلافيه ذلك العيب والبحث عن غرض‪ /‬مراد المشرع من تجريمه أفعال الجرح والضرب وإعطاء المواد‬
      ‫الضارة‪ ،‬فمن باب أولى أن هذه الحماية تمتد لتشمل تجريم أى فعل من أفعال الاعتداء على سلامة الجسم وأن تندرج ألفاظ الضرب والجرح وإعطاء‬
      ‫مواد ضارة تحت لفظ العنف حتى يحدد شكل السلوك الجسيم الذى يشكل اعتداء على الإنسان وسلامة جسده وتحقيق الهدف العام أو المبتغى من‬
      ‫تجريم تلك الأفعال لحماية انتهاك حقوق الإنسان وسلامته‪ ..‬ولرفض القضاء المصرى لهذا التوسع أوجب على المشرع التدخل بنفسه مباشرة كنظيره‬
      ‫المشرع الفرنسي‪ ،‬يحل لفظ العنف محل الجرح والضرب بكافة صورهم‪ ،‬أو إضافته إلى أفعال الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة كما فعل المشرع‬
      ‫العراقي‪ .‬تم الاستناد إلى ما قدمه الفقه الجنائى من نظريات حول مفهوم العنف (الفقه الجنائى قدم نظريات حول مفهوم العنف وهو ما تم الاستناد‬
      ‫إليه)‪ ،‬فالنظرية الأولى‪ :‬تشير إلى أن القوة المادية ترتكز على ممارسة الطاقة الجسدية‪ ،‬و ُتس َّمى بالنظرية التقليدية‪ ،‬والثانية‪ :‬تشير إلى الضغط والإكراه‬
      ‫الإرادي‪ ،‬كما تشير إلى الضغط والإكراه الإرادى المرتكز على نتيجة استخدام الوسيلة التى من شأنها إجبار إرادة الغير على إتيان تصرف معين(((‬
      ‫والانتقادات الموجهة إلى هاتين النظريتين لها الفضل فى ظهور اتجاه أو نظرية ثالثة تصف العنف بأنه وسيلة من أجل تحقيق غاية معينة‪ ،‬وهى تحقيق‬

                                                                                                              ‫ما اتجهت إليه إرادة الجاني‪.‬‬
                                                     ‫المطلب الأول‪ :‬النظرية التقليدية‬
      ‫عرف العنف وفقا لهذه النظرية بأنه «ممارسة الإنسان للقوى الطبيعية بما فى ذلك الطاقة الجسدية للتغلب على مقاومة الغير‪ ،‬وسواء مورست تلك‬
                               ‫القوة مباشرة على الجسد الخارجى لمن يتحمل العنف أو حس وشعر بها حينما أراد استخدام أعضائه لخدمة إرادته»(((‬

                                                       ‫حيث أقر الفقه التقليدى بأن للعنف صورتان‪ :‬عنف بدنى (مادي)‪ ،‬وعنف نفسى (معنوي)‪:‬‬
                                     ‫عنف بدني‪ /‬مادى وهو الذى يتماشى مع الإكراه المادى الذى يكون العنف ناتجا عن طريق قوة مادية أو طبيعية‬

                                                             ‫عنف معنوي‪ /‬نفسى والذى يلتقى مع الإكراه المعنوى المنتج للعنف عن طريق التهديد‬
      ‫وتم إدراج التهديد تحت مفهوم العنف‪ ،‬فالعنف هو النتيجة التى يصل إليها الجانى ومن خلاله يضغط على إرادة المجنى عليه‪ ،‬وبالنظر إلى نطاق‬
      ‫جرائم الاعتداء على حرية المرأة الجنسية‪ ،‬ويتمثل ذلك فى جريمة الاغتصاب‪ ،‬فالفقه المصرى عرف الإكراه المادى وأنه يقضى على رضاء المرأة المجنى‬
      ‫عليها‪ ،‬وأعمال العنف هى الأفعال التى ترتكب على جسم المرأة وتحبط مقاومتها رغم إرادتها‪ ،‬ونتيجة لذلك فلا ينظر للعنف لذاته وكونه متمثلا فى‬
      ‫القوة الجسدية‪ ،‬وإنما ينظر إليه من خلال الأثر المترتب‪ /‬الناتج عنه وهو انعدام رضاء المجنى عليها وإرغامها بالقوة‪ ،‬فأصل صور العنف كان يتمثل فى‬
      ‫الضرب أو الجرح‪ ،‬إلا أنه هناك صور أخرى يتخذها بقصد إضعاف وانعدام قدرة المجنى عليها على المقاومة عن طريق تقييدها بالحبال بالإضافة‬

                                                                                                     ‫إلى إرهابها كى لا تصدر أى مقاومة(‪((1‬‬
      ‫فى العنف القائم على الإكراه المادى اشترط الفقهاء شرطين‪ :‬الأول وقوعه على شخص المرأة‪ ،‬والثانى توافر قدر من الجسامة وكونه كافيا أن يحبط‬
      ‫مقاومة المرأة أو إرهابها ومن شأنه يعد بالفعل رضائها‪ ،‬ويؤدى ذلك إلى أن العنف البسيط غير منعدم الإرادة ويتغلب على تمنع المرأة وإقناعها بأن‬

                                                        ‫ترضى بالاتصال الجنسى غير المشروع‪ ،‬لا يحقق الإكراه وبالتالى قيام جريمة الاغتصاب(‪((1‬‬
      ‫فالإكراه المعنوى وهو العنف الناتج عن التهديد بخطر جسيم‪ ،‬فجريمة الاغتصاب الواقعة بتهديد الجانى لضحيته‪ /‬المجنى عليها وإن لم تنسق إليه‪،‬‬
      ‫سيلحق بها أو بأحد ذويها بضرر جسيم أو بنشر فضيحة وما يجعلها مجبرة على ذلك لتتفادى الخطر المهددة به‪ ،‬ما هو إلا عنف ضد المرأة‪ ،‬ووفقا للفقه‬
      ‫التقليدى لا يعد العنف بمعناه هذا وسيلة السلوك الإجرامي‪ ،‬وإنما يعد نتيجة تتحقق باستخدام إحدى وسائل الإكراه والضغط على الإرادة‪ ،‬ووصفه‬
      ‫ضغطا مطلقا بالنسبة للعنف البدني‪ ،‬ونسبيا بالمسبة للتهديد‪ .‬وهو ما يدفعنا للدخول فى حيثيات الجانب التطبيقى لهذه النظرية أو الرؤى التى يعتمد‬
      ‫عليها البحث فى مجملها‪ ،‬لنلج إلى نظرية العنف بوصفها هى الأساس فى عملية سبر الغور والتحليل الأقرب إلى الواقع من خلال نماذج قانونية دولية‬
      ‫وإقليمية تمس المحيط العام للعالم فى بقاع متعددة منه‪ ،‬وبحسب قوانين ومواثيق قد تختلف من مكان آخر إلا أنها تتفق فى سياقها العام مع الإرادة‬

      ‫((( (التقرير الصادر حول جرائم العنف وطرق مكافحتها فى الدول العربية‪ ،‬إعداد قسم الدراسات بأمانة المنظمة العربية للدفاع الاجتماعى ضد الجريمة‪ -‬المجلة‬
                                                                                          ‫العربية للدفاع الاجتماعي‪ -‬العدد التاسع‪ ،‬مارس ‪ -1979‬ص ‪)253‬‬

      ‫((( (سلطان الشاوي‪ -‬الجرائم الماسة بسلامة الجسم‪ -‬مجلة العلوم القانونية تصدرها كلية القانون فى جامعة بغداد‪ -‬المجلد العاشر‪ -‬العدد الثاني‪ -1994 -‬ص ‪)20‬‬

      ‫((( (أشار إلى هذه النظريات وبالتفصيل‪ :‬د‪ /‬مأمون محمد سلامة‪ -‬أجرام العنف‪ -‬مجلة القانون والاقتصاد للبحوث القانونية والاقتصادية‪ -‬العدد الثاني‪ -‬السنة‬
                                                                                                 ‫الرابعة والأربعون‪ -‬دار الهنا للطباعة‪ -1974 -‬ص ‪)12 -8‬‬

                                                                                              ‫((( (د‪ /‬مأمون محمد سلامة‪ -‬المصدر نفسه‪)266 -‬‬

          ‫(‪( ((1‬د‪ /‬محمود نجيب حسني‪ -‬شرح قانون العقوبات قسم الخاص‪ -‬دار النهضة المصرية‪ -‬مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي‪ -1986 -‬ص ‪)534‬‬

‫(‪( ((1‬د‪ /‬عبد المهيمن بكر‪ -‬القسم الخاص من قانون العقوبات‪ -‬جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال‪ -‬دار النهضة العربية‪ -1968 -‬ص ‪55 )189‬‬
   50   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60